Wednesday, December 30, 2009

الـمديـنـة الأخـرى الـتـي اخـتـطـفَـتـنـي


تقول لي أمي أنني و أنا رضيعة كنتُ أتأمَّل كفِّي أكثر من أخواتي . أتأمَّلها كثيراً و أقلِّبها و كأنني أعلِّم نفسي كم الأشياء التي يمكنني أن أفعلها بها .

***

أركب الترام من محطة الرمل ، و أجلس ، و تتحرَّك الترام ، و تترك المحطة ، و لا يركب العربة سواي و فتاة تجلس قبالتي ، و آخريات .
" ليه الترام مشيت و لسة مافيش ناس راكبة ؟ "
و فتحت الفتاة التي أمامي حواراً . و بدأت في السرد بحماس . و أنا لا أركِّز في كلمة واحدة تقولها . لكنني أحببتها ، و بثـَّت فيَّ روحاً طيبة كانت تشبه صديقة من القريبات إلي قلبي . و أوهمتها أنني أستمع لها . و هي تحكي و تضحك و تعلِّق و تقذف بالتعليقات التي تضحكني من قلبي بحق .

***

فاتتني محطتي . و رأيتُ أن الترام لم يركبها أحد . فقط أنا و الفتاة . و توجَّهت بنا إلي مكان لا أعرفه . مدينة أخرى غير مدينتي . مدينة أكثر هدوءاً و تنسيقاً .

خفتُ ...

تأخَّرتُ كثيراً . كنتُ على موعد معه . الرجل الذي أحب . سيقلق عليَّ و ستتلخبط أحواله . صحتُ من النافذة في المدينة الأخرى التي اختطفتني " ليه دايماً يحصل كدة أيام إمتحاناتهم ؟ لــــــيـــــه ؟ "

و الترام تمر من نفق حجري رمادي اللون ، نبت الزرع بين قطع الحجارة . كانت الرائحة رائعة . لكنني تأخَّرتُ عليه . عليَّ أن أعود . و أنا على وشك النهوض ، أمسكت الفتاة بمعصمي بقوة . و أشدَّت قبضتها عليه بشكل لا يتناسب مع حجم كفها الصغير . و بـِحـِس مـُطـَمـئـن قالت و هي تنظر لأعلى :
" شــشــشــشــشــشــشــش.... سامعة ؟ "
سمعت صوت احتكاك . و بدأ الصوت يعلو و يتحوَّل إلى صرير ... نظرتُ جيداً أمامي ، رأيتُ أن عربة الترام التي نحن بها تمر من نفق ضيق ، أضيق من أن يسعها ، و بدأت العربة تضيق بفعل احتكاكها بجدران النفق ...

لم تترك الفتاة معصمي بعد ، شعرتُ بخاتم في يدها يؤلمني . نظرتُ وجدته الخاتم الجعران الذي دائماً أرتديه أنا و لا أخلعه أبداً .

"محدِّش ياخد مني حاجة بقى . أنا اإتأخـَّرت... محدِّش ياخد مني الخاتم ، أنا اتأخَّرت " ... أصيح في الفتاة التي سرقت خاتمي .

و أخذتُ الخاتم من اصبعها و لبسته و نزلتُ من الترام . و لم أرى الفتاة مرة أخرى .

***

كانت الترام قد توقـَّفت داخل النفق الضيق . و أنا أسير في ظلامه . ثم بدأ النور يظهر و وجدتُ نفسي في ممر ضيق كان موجوداً في جامعتي القديمة . سعدتُ جداً ، و بدأت في رؤية أوجه مألوفة . و رأيتُ وجهي أيضاً في أحد النوافذ و رأيتُ أن أنفي لم تعد أنفي . أصبحت أنفه هو هي التي في وجهي .

" يا سلام؟ للدرجة دي؟ كل مرة يعني تحلمي الحلم دة ؟ " قلت لنفسي .

و رأيته يقف مع بعض الناس حوله . أسرعتُ نحوه ، و أردتُ أن أبرر تأخيري و أردتُ أن أحكي له عن مغامرتي . لكنه لم يحتفي بي ، فقط نظر لي و أفسح لي المجال لأقف بجواره ، و كأنني ذهبتُ لشراء شيئاً .. و ها أنا قد عدتُ .

استندتُ بجواره إلى الجدار . منتظرة إياه أن ينتهي من حديثه مع هؤلاء الآخرين الذين لا أعرف أحداً منهم . و أمسكتُ بيده بقوة بين كفيَّ ... و كانت تلك لفتة مستحيل أن أفعلها أمام ناس لا أعرفهم ، و داخل الجامعة . ثم رأيتُ يده تتحوَّل في يدي إلى كف أبي - بأصابعه الممتلئة القصيرة ، و بتلك العلامة التي على ظهر يده من حروق الشمس و القيادة في الخليج .

قبَّلتُ يده ، و ممدتُ يدي نحو أنفي وجدتها لم تزل أنفه ...

"مش جميلة ... هية بس إيد إبويا "

***

ما القصة معي و مع الأكف و الأصابع ؟ ليست هذة أول مرة أن أحلم بالأنوف ... لكنها أول مرة أبوح بقصة كف أبي الذي يأتيني في أحلامي مرات و مرات ... في أشكال مختلفة . و مع ناس آخرون .

استيقظتُ من حلم نصف النهار و أنا لدي فقط القدرة التي تكفيني كي أعِد لنفسي كوب شاي بالحليب ، و أجلس لأرسم العمارات المتراصَّة بجوار بعضها ، على أسطحها تهفهف قطع الغسيل المنشورة ، و " أرايـِل" التليفزيون و خزَّانات المياة ، و خيوط الزينة التي تشبه زينة رمضان .

" منين جالك الصبر دة ؟ " تسألني أمي و هي تمر بجواري . أبتسمتُ و رددتُ بيني و بيني . منذ رأيتُ الأيدي الممدودة إليَّ من كل ناحية ، و بطرق أخرى غير المعتادة و غير المرئية ... تعلَّمتُ أن أستخدم يدي .

لعل أحدهم يحلم بكفه تحوَّل إلى كفي ذو خاتم الجعران . أو ينظر أحدهم في المرآه و يرى حاجبيَّ الغير متساويين في وجهه . أو يرى أسناني غير متراصَّة في ضحكته .

"مش جميلة ... هي بس مناخيره "


Friday, November 20, 2009

أحــلام لا تـــوشـِــك عــلــى الــتــحــقـُّـق


على القلب أن ينخلع . و على العين أن تدمي و تنتفخ.

لكن هذا هو الوضع منذ نعومة الأظافر.

***
الحقيبة ذات العجل و هي تجرجر على السيراميك تحمل لأذني صوت المؤذِّن بالرحيل. تنسد أذني من فرط كتمان البكاء في كل مرة. و تدق فكرة غريبة على رأسي ؛

هو رجل المفاجآت...لعله دبَّر الأمر كله هذه المرة كي يفعلها في آخر لحظة و يجري نحونا رامياً جواز سفره من يده اليمنى ، و حقيبة سفره من يده اليسرى...

ربما سيفعلها هذه المرة ... لا يمكنني أبداً التنبؤ بمفاجآته.

***
العلكات تمنع البكاء. و تفك انسداد الآذان.

إلا في هذا اليوم...

كل مرة أذكِّر نفسي بالمرة التي سبقتها ، و أتذكر ما فعلته بنفسي كي أتكيَّف مع غيابه ، و كم أقول لنفسي أن المرة المقبلة حتماً ستقضي عليِّ.

لا شيء في العقلي إلا رغبتي في بقائه .

و أشعر فجأة أنني مُنهَكة.

و لا شيء يؤلمني بحق إلا أنني لا أجد شخصاً ، من لحمِ و دمِ ، لألومه.

***
أنا أتغيَّر...

كل مرة يأتي عليَّ هذا اليوم ، أكن مختلفة. لكن أستقبل الأمر بنفس الطريقة في كل مرة.

...


السنوات تمر. و هو يرحل و يعود...

يطول شعري و يقصر ، تتسع بناطيلي و تضيق ، يثقل عقلي و يخف ... و هو يرحل و يعود.

تمتلئ حقائب يدي و تفرغ ، يضطرب قلبي بالحكايا و يهدأ ... و هو يرحل و يعود.

...

السنوات تمر. و التفاحة قد نضجت تماماً... لكن عندما يأتي الأمر إليه ، أنا طفلة متعلِّقة ببنطاله ، أتوسَّل و أبكي له كي يحملني و يدور بي في الهواء.

أغلق عيني بقوة ، و أحاول التذكُّر...

هذا ما يحدث معي منذ أن بدأ عقلي في تخزين الذكريات. إلا أنهم يقولون لي أنني بقيت أول ثلاثة سنوات من عمري دون أن يرحل و يعود. ثلاثة سنوات.

إلا أن الأمر معي جاء بالعكس...كلما كبُرت ، كلما بات الرحيل أكثر ألماً ، و أعمق . مرة بعد مرة . كلما صرتُ أنضج ، كلما ينمحي كل ذلك في لحظة ، و أجد نفسي أنكمش لأعد أكثر طفولة مما كنت عليها و أنا طفلة.

***
أحلام أبي بابنته لا توشك أبداً على التحقق. هنالك دوماً المزيد من أجلها. الفساتين . العطور . الموبايلات . الجامعة . السيارة . أماكن قضاء العطلات ...

ابنة أبي ليست خارقة القدرات ، لكنها تملك تلك القدرة على التكيُّف مع الأوضاع كما هي...

ما لها لا تقدر على التكيُّف مع رحيله ؟

لا توجد حلول...سوى تلك التي تجعلها تصبر من العام للعام الذي يليه كي تعوِّض ما تفتقده. و كلها بمثابة كبسولات المسكِّن. لا توجِد حلاً – تمرر الوقت ، و تطيل حبال الصبر.

***

أحلامي بأبي ، لا توشك أبداً على التحقق ، هنالك دائماً المزيد من المكالمات الدولية ، المزيد من الرحلات للصرافة و العودة بأكياس القمامة التي أحمل بها أوراق توت عنخ آمون...

***
مالي كثيرة الكلام الليلة ؟

***

ذلك الفيلم الذي رأيته من أعوام على القناة الثانية ، و أخذني للبكاء كالأطفال ، هو ما يتكلَّم ...

والغرض الحقيقي هو أن أجعل الجميع يراه...

الاسم :
Father And Daughter

اخراج :
Michael Dudok De Wit

مدة الفيلم :
8 دقائق

فاز بجائزة الأوسكار كأحسن فيلم قصير (صور متحرِّكة)


تحميل :

http://rapidshare.com/files/34062242/Oscar_Short_Animated_Film_2000_Father_and_Daughter_-_8_08-curta_d_anima__o-by_H-RAMOS.rar



أو

اضغط هنا لتحميل الفيلم


هذا هو غرضي الحقيقي ...

أن أجعل كل الأصابع تمس هذه الندبة على قلبي ...

مد يدك أيها الصديق ، و لا تخذلني . و دعني أُريك الفيلم الذي يبكيني في كل مرة .

Sunday, November 1, 2009

كـل الـسـواعـد الـتـي تـحـمـل عـنـي



تذكَّر جيداً أنني من البداية لا أملك صكوك العتق...أنا منشغلة بأمور أخرى.

***

قيل لي ذات مرة أنني إن عجزتُ عن وصف شيء ، يمكنني أن أقارنه بشيء آخر يختلف عنه.
ستكون مندهشاً كالأطفال و أنا أخبرك عن كم الأشياء التي تشبهك كل يوم.

أعلم أنك لا تعلم. و يمكنك في كلمة أن تكذِّب ما أقول ، تفهُّماً منك لطبيعة الأشياء في عقلي. و لونها في عيني. و شكلها على أصابعي. و بشكل ما ... أنت على حق.
***
في بدايات المراهقة كان هنالك شيء مقرَّب إلي قلبي تفعله أمي معي كل فترة ، و مازالت تفعله حتى الآن .
كلما تمر على صيدلية لشراء شيئاً ما ، تحضر لي معها مجموعة مستحضرات لِحَب الشباب الذي كان يظهر لي على طرف أنفي ، أو طرف الشفاه العليا ، أو في الوادي الضيق بين جانب أنفي و خدي. كانت أمي ترتعب منها أكثر مني تقريباً ، و كان يتسرَّب شعورها إليَّ. هذه المستحضرات هي زجاجة غسول وجه ، زجاجة لوشن لإزالة المكياج ، و زجاجة مرطِّب. جميعاً من نفس الماركة ، و لهم نفس الرائحة.
أتعلم؟ كلما أتذكَّر... أجد أن رغوة الغسول كانت أنعم رغوة مرت على أصابعي. من فرط هشاشتها لا أشعر بها على يدي و أنا مغمضة العينين.

إنها نعومة رغوة الصابون يا عزيزي ، هي ما جعلتني أنصت إلى ما تقول...

***
القط الذي تربيتُ معه ، كان إنساناً و أحببته أكثر من دراجتي. و لم أكن أغادر البيت كي ألعب بالدراجة في الشارع ، كي أكِنُّ معه بالبيت.
كان قطاً حساساً و طيب. كان أطيب مني. و كان متعالياً و واثق. لا يسمح لأحد أن يحمله أو يأخذه تحت البطانية. لكن في أوقات دورتي الشهرية ، أو أوقات بكائي كان يشعر بي ، و يأتي إليَّ و يجلس على ظهري. و يدور دورتين حول نفسه ، و يتكوَّر على نفسه و ينام هنيئاً.
أسكن أنا مكاني مستمتعة بصحبته ، و أغيِّر وضعي كي أمسِّد شعره. كان يحب أن أداعب ذقنه ، و كانت عنده بقعة مشمشية اللون على طرف ذقنه ، كنتُ أضع إصبعي عليها و أحرِّكها في دوائر. إلى أن أسمع كركرته و تعبيره عن الرضا و الاطمئنان.
هنالك شيئاً من النقاء في القطط أفتقده في البشر؛ القط المغرور ، كان يستسلم لي ، و يسمح ليدي تدغدغ بطنه برفق دون أن أزعج نومه. و ببساطة يوجِّه نفسه ليجعل أصابعي تدغدغ أي مكان يريده هو. و يمكنني أيضاً أن أتوقف وقتما أريد ، و أنهض من مكاني. و يتحرَّك هو ليجلس في مكاني الدافئ.

إنها كركرة القط بالسعادة يا عزيزي ، هي ما تجعلني أداعب ذقنك.

***
في يوم ممطر كان عليَّ أن أذهب بعيداً في مهمة إحضار شيئاً من موقف الأوتوبيسات. و صدر منك أول تطوُّع بمصاحبتي ، و تلاه الكثير من الطلبات بالمصاحبة من قِبَلي .
و نحن جالسين في المواصلة المزدحمة ، على أحدهم أن يتطوع لجمع المال من الركاب ، و إعطائهم باقي نقودهم ، و تسليم النقود كاملة للسائق. و شاهدتك و أنت تقوم بالمعاملات المالية التي تتطلب قدرة حسابية معقدة بالنسبة لعقلي و قدراته المحدودة.
- "مين يا جماعة لسة ما دفعش الأجرة!"
- "باقي الإتنين من الخمسة اللي ورا..."
- "إنت و الأخ اللي جنبك ف الجنيه ده."
و تحرَّكت للأمام إلى طرف المقعد ، و مددتَ ذراعك إلى نهايته للسائق قائلاً : "عربيتك يا أسطى!". إن تمكَّنت أنا يوماً من إجراء هذة المعاملات دون ارتباك ، و بالسلاسة والسرعة التي قمت أنت بها ، بدون تردد سأذهب لأباشر عملي بدوام كامل كسمسارة في البورصة. كان الأمر أشبه بأنني أشاهد شخصاً يضع أطواقاً ملونة في ذراعيه و أحد أرجله و رأسه و وسطه ، و يجعلها تدور و تدور دون أن يترك أحدهم يسقط أو يتوقف. استعراض كبير. رائع و مدهش. كنت على وشك أن أصفِّق لك وسط صمت الركاب.
- "مالك بتبُصيلي و تضحكي ضحكتك الخبيثة كدة ليه؟"

إنها الأطواق المستديرة الملونة التي لا تتوقف عن الدوران ، و التي لا تشعر أنت بوجودها يا عزيزي... هي ما تجعلني أنظر إليك خلسة و أبتسم.
أتعلم ماذا أيضاً يذكِّرني بنا و بمناقشاتنا اللاذعة منها و العذباء؟

تورتة "لا بوار"... الأخف و الأجمل و الأبسط يا عزيزي.

شيكولاتة "فيريرو روشيه"... التي لا اكتفاء منها.

غزل البنات...كلما نظرتُ فوقي ، وجدته في السماء.

بائعي المناديل في الاشارات...خفاف الظل منهم ،الذين لا يمكن مقاومتهم.

محلات الملابس... كلما دخلتُ واحداً توجهتُ للقسم الرجالي ، أتحسس البلوفرات و القمصان المخططة.

طفايات الحريق الحمراء الكبيرة ، و الصناديق الثقيلة ... و كل السواعد التي تحملهما عني.

الذقون الحليقة . و رائحة النجيل . و اللون البرتقالي للصدأ على مقابض الأرجوحات. و الخيول البنية التي أمسِّد عليها دون أن أشعر و أنا أمر بجوار عربات الحنطور.

علب الـ"فيروز" ، و حاوية العطر الفخارية الموجودة بالسيارة.

كل أرصفة الشوارع التي أرمقها على طولها أملاً أن أراك صدفة. كل العربات التي لم تصدمني لعبوري الطريق بيدك. كل روث الأحصنة الذي لم أخطو عليه. كل الأغنيات التي أستمتع بها ولا أعرف أسمائها. كل ملابسي الواسعة عليَّ. و كل حقائب يدي "البؤجات". كل ثمرات الرمان معلقة لدى بائعي العصير. و بائع العرق سوس ، و صلصلته...

صَلصِلته من أجلي ...

***

ففي النهاية ليست أنا من تملك صكوك العتق من هذا الشعور و هذه العلاقة . أنا منشغلة الآن بالرقص على هذه الصلصلة العالية و المتقنة.

في مسابقات "شَد الحبل" ، و إن كنتُ أخسر... ليست أنا من تترك الحبل و تترك النِد يسقط على ظهره. أظل ممسكة به إلى أن أعبر خط الخسارة واقفة على قدمي.

... غير أنني لا أحب هذه اللعبة على أي حال . أنا آخذ الحبل و أصنع منه سريراً رائعاً لأنام عليه طويلاً دون أن تؤلمني أصابع يدي.

Monday, October 26, 2009

الـفـَتـيـل



كـُن هـادئـاً دائـمـاً يـا عـزيـزي ...

لـم يـشـتـَعـِل الـفـَتـيـل بـعـد

***

آه ... يـا بـراح عـَمـَّال بـيـضـيـق

Wednesday, September 30, 2009

أنـــا ، و الشـيـكـولاتـة ، و الـكـثـيـر مـن الأصـدقـاء


هنالك شيء رائع حول الكثيرين ممن حولي ؛ يمكن أن تصدر منهم أفعال بسيطة...قد تسعدني ، و قد تجعلني الأسعد على الاطلاق .

***

"بهظ" ... صديق لي تعرَّفتُ عليه بأصدقاء مشترَكين ، و في غمضة عين هكذا .
بعدما عاد من سفر إلى مكان ما ، عاد إلي بقطعة شيكولاتة عملاقة. شيكولاتة سوداء مُرَّة . دون أن يعلم أنها ذوقي تماماً من بين كل أنواع الشيكولاتة .

***

"جهاد" ... صديقة لي تعرَّفتُ عليها فجأة ، قفزت من مكانها و أتى بها القدر في طريقي ، و قذف بها داخل قلبي مباشرة .
في جلسة ما وسط الأصدقاء في مكان ما ...
" اغلقي عينك ... تخيَّلي شيكولاتة دافئة و لها رائحة ، ناعمة كالمخمل أمامك الآن ... و تخيَّلي حبة فراولة صغيرة باردة و لامعة بمجرَّد أن تقضميها ، ستشعرين بطعم العصير ... و تخيَّلي أن تغمسي هذه في تلك ... و ببطء تأكلين ..."
-
" ها ؟ ... نِفسِك ف إيه دلوقتي؟؟" قالت لي
قبضتُ على عقلي متلبسة بأمنيتين ، الثانية فيهما أقوى من الأولى ...
"قبلة ناعمة" ، أو "حبة فراولة أخرى"

***

"ماجد"... أخ لم تلده أمي ، تعرَّفتُ عليه بعد أن فاتتنا فرصة ظنناها فرصة رائعة لنا.
في يوم مضى ، كنتُ حزينة و أشعر بالملل ، و أحتسي النسكافيه في المقهى بصحبة أشخاص لا يسعدني حديثهم... دخل ، و أقحم نفسه في الحديث كي ينقذني - أو هكذا أحببتُ أن أصدِّق - و أمسك بحقيبته الصغيرة ...
"حقيبتي يا حقيبتي ... ماذا بحوزتك لـ سارة الجميلة؟"
و أخرج منها قطعة شيكولاتة كورونا . كان لها مذاق رائع.

***

"بغدادي" ... صديق جديد ، أرى فيه أنه يعاني أزمة المظلوم و أزمات عدم تقبُّل الواقع . و حتى اليوم أعلم أنني لستُ مخطئة.
في محاضرة ما في جامعة أنا و هو غرباء فيها ، لم أجد غيره أعرفه في المكان. ذهبتُ و جلستُ بجواره ، و تبادلنا الحديث عن الأحوال . و ثم بدأنا نتحدَّث عن دكتور بعينه ، و عن طريقته المسرحية في التدريس ... و قال لي أنه كان يرتجف خوفاً أمامه...
-
" أنا حسيت إني قاعد قدام عادل إمام في مسرحية الزعيم !"
و قال لي - بابتسامة العالِم بالأمور- أن الدكتور يقتبس جملاً كاملة من أفلام أجنبية ، و يقولها كما هي ...
Jurassic Park...-
شـُفـتـيـه؟
ثم مد يده داخل حقيبته و أخرج قطعة شيكولاتة مفتوحة و اقتسمها بينه و بيني ، وأنا أحبها ذائبة كما أعطاها لي .

***

"صفوان" ... في ظروف غامضة ... أصبح كل شيء.
في يوم حار ، أهرول خارجة من الجامعة بعد أن خذَلتُ نفسي في امتحان ما . أجده أمامي ... و أنفجر أمامه بكل الثورة . أَبسَطَ وجهه في وجهي باهتمام و سألني عن ورقة الأسئلة . و أشرتُ له على الأسئلة التي أخفقتُ بها . ضحك
" أين مكتب هذا الأستاذ؟ إن رسبتِ في هذه المادة سيجد مكتبه كومة من التراب"
و لما ابتسمتُ قليلاً تمنى لي النجاح ...
-
"انشاء الله خير ... ماتخافيش!"
و أخرج من جيبه قطعة شيكولاتة كادبوري ، التهمتها دفعة واحدة ، و سقط جزء منها على الأرض ... انحنيتُ لأجلبه ، و وضعته جانباً ...
-
"هجيبلك واحدة تانية !"
و بالمناسبة ... طـَرَقـَت أمنيته لي باب السماء ، و دخلت .

***

...ـ"علاء خالد"
الإنسان الإنسان ، و الأب الروحي .
بعد طول سفره ، عاد ... و بين كل الأشياء التي يمكن أن يجلبها شخص من أمريكا لفتاة في مصر ، جلب لي علبة شيكولاتة . و بين كل أنواع الشيكولاتة ، انتقى الشيكولاتة المُرَّة . دون أن يعلم أنها ذوقي تماماًُ من بين كل أنواع الشيكولاتة .

***

كل من حولي يبدون رائعون عندما أكتب عنهم . و عندما أقرأ ما كتبتُ ، و أشعر أنني حتماً أسعد فتاة خُلِقَت . لكن يكفي حديثاً فضفاضاً ، فلأتذكر جيداً ...

كل هذا حدث مُقسَّماً على عامين ...

فأتأمَّل عضلات برزت فجأة من ذراعي . و أشعر أنني حتماً أقوى فتاة خُلِقَت ، كي أنجو طوال عامين بـ ستة قطع شيكولاتة مُهداة فقط ...


أليس هذا أمراً مُحزِناً ؟!


... نعم ، تلك هي الحكمة التي تقال في فتاة الشيكولاتة السوداء المُرَّة ، التي هي نفسها لم تكن تعلم أنها ذوقها تماماً من بين كل أنواع الشيكولاتة .

Wednesday, August 19, 2009

لا خـطـر ، لا مـلـل أو حـزن على الإطـلاق


في البداية ، هنالك شيء واحد تستند إليه كل الأمور...

***
ساعات النوم الطويلة من حين لآخر ، تأتي بالكثير من المفاجآت.

لما فتحتُ عيني رأيتني لازلتُ جالسة هناك ، واضعة سماعات "أدهم" في أذني ، و الجميع حولي لا يتذمرون من تصرُّفي هذا. و في استسلام لساعات الليل القليلة الباقية ، يتحدَّثون. نزعتُ السماعة من أذني و سمعتُ حديثهم حول أنهم سيذهبون جميعاً للعب في مكان اسمه "دهشة".
- " فين؟ "
ترد عليَّ "إسراء" في استغراب..
- "دهشة.. ماتعرفيش دهشة؟ "
لم أسمع بالأسم من قبل ، لكن من الواضح أنه مكان معروف بعد أن رأيتُ "آيات" تردد: "هتتبسطوا بجد". انتبهتُ على من يلعب بسلسلة مفاتيحه كي يحفِّزنا للنهوض و تنفيذ الخطة..."كريم".
- " كيكو... انتَ جيت إمتى؟ "
ضاع سؤالي وسط صخب التحرُّك و الثرثرة.

***
هذا هو المكان.

أكبر بلازا رأيتها في حياتي ، من البلاط الرمادي ، و بها أغرب ما يمكن ألا أرى مثله مرة أخرى...الأرضية من أركانها البعيدة ، مرتفعة ، و تخرج منها ألواح أقل في المساحة ، تصل بين المنطقة المرتفعة و المنخفضة التي أقف أنا عليها. و كأن الأرض ستنطوي على من عليها.

مليئة بالبشر. و من فرط وسعها ، أراهم صغار. تماماً كما نرى الأشياء من الدور العاشر ، أو أبعد. و الجميع يتزلَّجون...البعض على الباتيناج ، و البعض على Skating Boards. الجميع بارعون. الجميع يرتدون ألواناً زاهية. يندفعون نحو أركان المكان ، و ترتفع الأرضية تحتهم ، حتى يصلوا إلى الألواح التي تبرز من نهايتها ، و رغم ضيق مساحتها ، يتزلَّجون على الحواف باحتراف ، و يهبطون بأمان على منتصف الأرضية...و يعاودون الحركة في اتجاهات مختلفة. و موسيقى قادمة من حيث لا أدري. تحمل نفس الروح التي تدب في المكان و الناس.
نظرتُ لـ"دعاء" في خوف ، و قلت لها : "أنا معرفش أعمل زي الناس دي!". و خطوتُ خطوة للوراء ، لأفسح المجال لأحد القادمين باندفاع على مزلاج. لما اقترب كان "صفوان" : "هو لسة في ناس بتقول الكلمة دي؟" و لما مرَّ بسرعة من أمامي ، شممتُ له تلك الرائحة لقطعة اللبان الموجودة داخل المصاصات.
ما هذا المكان؟ تلك هي الدهشة بحق.
- "صفوااان ، انت بتاكل مصاصة أخيراً؟"
- "إشمعنى يعني مش مستغربة إني بعرف أجري بالبتاعة اللي أنا واقف عليها دي؟"

و تحرك حركة محترفة مرة أخرى بالـSkating board ، و تحدَّث إلينا جميعاً. "تعالوا نلعب عند البير". و اختفى من أمامنا وسط الآخرين ، و لم أراه ثانية.
***
هناك ، عند البئر ، كنا على أعلى نقطة في المكان. حيث يمكنني أن أرى كل من يلعبون. البعض يتحرَّك في دوائر و البعض الآخر في خطَّين متوازيين. صعوداً و هبوط. و البعض الأخر يقفزون في الهواء من الأماكن المرتفعة. و البعض الآخر يقفزون بألواحهم فوق سلالم العريضة.الكل في نفس الفوضي. لا يصطدم أحد بآخر. مستعمرة بشر تعج بالبهجة. بنفس تلك الروح الموجودة حول حمامات السباحة. لا خطر ، لا ملل أو حزن على الإطلاق.

هنالك أيضاً من يجلسون في أمان على مقاعد خشبية عريضة موضوعة على حافة البئر. هناك جلستُ ، و بعدما استقريتُ على المقعد رأيت أن لا شيء يحمني من السقوط في بئر فوته بمساحة ميدان. و المقاعد في الحقيقة ليست سوى أرجوحات ، يمكن بسهولة على من يجلس عليها أن يسقط. خفت. لم أصرخ . لم أريد أن أفسد البهجة. تشبثتُ جيداً ، و زال كل قلقي لما انبهرتُ بـ"مروان" و "مؤمن" يقفزان من أول فوة البئر للناحية الأخرى. بلا خوف. و مع تكرار المرات رأيتهما عند طرف كل فوهة ، يقفا على أذرعهما في حركة بهلوانية ، و يعودا للوقوف على مزلاجهم.

و جاءت "منة" و "أميرة" جلستا بجواري ، و تحركتا يميناً و يساراً ، و يغنيا أغنية ما. و بدأت الأرجوحة تزداد خطورة."إنتوا عارفين هيحصل إيه لو وقعنا هنا؟"

في صوت واحد :
- " إيه؟"
فكرتُ حتى لا أثير رعبهما:
- " مش هنعرف نطلع تاني؟ "
***
كان الكثير يدور في ذهني مؤخراً. لكن الشيء الأوضح هو أنني كنتُ بحاجة لذلك التجمُّع أكثر من أي وقت مضى. لأنني لا أعلم في الحقيقة أين أنا. و لا كيف تمكنت كل العائلة من التجمُّع مرة أخرى. كيف تمكَّن الجميع من أخذ أجازات في الوقت المناسب. كيف تمكنَّا من تنفيذ خطة المجيء إلى هنا ، و بالفعل تكون خطة مناسبة تلائم الجميع.

هنالك شيء مدهش حول عائلتي... فقط بضعة أيام بصحبتهم ، قد ترفعني للسماء ، و تصفِّي ذهني ، و تبسِّطت أزماتي. هنالك شيء ما في هذه التركيبة الغريبة من الناس. العصبية ، و الفكاهة ، و الطيبة ، و الذكاء ، و الغضب ، و الشرود ، و البساطة ، و الكثير الكثير من التعقيد.

شيء من الأمان ربما هو ما يصف الشعور بأن أكون جزء من كيان متناقد و كبير مثله.

لكن بالنظر لكل ما يحدث لي في النهاية ، هنالك شيء واحد تستند إليه الأمور... هـُم. أهـلـي. مهما تعقَّدت الأمور ، ففي النهاية ستأتِ ساعة غذاء نجتمع جميعاً فيها نتسابق فيها على المقاعد. و نتصارع فيها على الملاعق القليلة. و نتجاذب أطراف الحديث. نتوتر قليلاً ، ثم نعود لنضحك على أمراً آخر. و ننهض سريعاً لنلحق بالحمَّام الفارغ. و نرى من سيُعِد الشاي لأمة من بشر انزلقوا على مقاعدهم و قد تمكَّنت منهم التخمة. و نتجاذب أطراف الحديث مرة أخرى. و نتوتر كثيراً ، ثم نعاود الضحك على شيء آخر...
***

ساعات النوم الطويلة من حين لآخر لا تأتي بالكثير من المفاجآت. و لكن تأتي بالخُلاصة. بإظهار حقيقة الأمر بشكل مثيرللـ..."دهشة".

ما أراه ، و ما أخرج به كل مرة و من أجازة مثل تلك أقضيها معهم ، هو أن الحياة تحتاج ألا أقف كثيراً عند أي شيء. جيد كان أو سيء. و تحتاج الكثير الكثير ... من روح الفكاهة ، كي تستمر دون تعقيدات لأطول وقت ممكن.

Wednesday, July 22, 2009

الـجـرح




منذ بدء عملي في جاليري علاء خالد ، للتُحف و المشغولات اليدوية ، و أنا صامتة . أقرأ . لا أنظر لأحد ، و لا يـُنظـَر لي البتة . أو هكذا كان الأمر في البداية ؛ كنتُ لا أنظر لأحد ، لكن أنظر كثيراً للأشياء حولي . أتعرَّف على مساحاتي ، و أُكيِّف المكان عليَّ أيضاً ...

أبعدتُ الفازات الطويلة عن منال أُرجوجة حقيبة يدي . قفزتُ بالمقعد و المكتب قفزة للأمام كي تتاح مساحة آمنة خلفي حين أتثاءبو اعقدُ ذراعيَّ من الخلف . و أبعدتُ الأشياء من على أحد جانبي المقعد ، كي يتاح لي الدخول خلف المكتب و الخروج من اتجاهين مختلفين . و كي تصير لي حرية الدوران بالكرسي ، ثـُلث دائرة لليمين ، ثـُلث دائرة لليسار .

في البدء كانت الأغراض ...

***

كان صعباً عليَّ ضبط أفق الصورة . "ميزان المية بتاع الصورة" كما كان يقول لي أستاذي (أو هكذا أحبُ أن طلق عليه) محمد الميرغني . لكن ما لاحظته فيما بعد أن في الداخل ليس هناك شيء أفقي ، أو رأسي بالمعنى المعروف . سواء في الصورة .. أو في الاحساس بالمكان . ليس هنالك أباجورة أباجورة ، أو شال شال ، كردان كردان ، ضوء ضوء ، أو رائحة رائحة .

كل شيء ساكن و معتاد على أوضاع غير مألوفة

***


أوقات الصباح و الظهيرة ، المارة في الخارج يمرون بسرعة ، و يلتفتون للفاترينة ، و من بين الفازات و الأشياء المُدلاه ، ينظرون لي مباشرة في العين . ثم نظرة أخرى للأسفل.. باعجاب ربما ، ثم المضي في ط
ريقهم .

ما اكتشفته بعد فترة قصيرة أن من يمر في الخارج وقت النه ار ، لا يرى سوى انعكاس صورته على زجاج الفاترينة !

وهكذا صرتُ أنتبه للناس ، و اقتنص تلك النظرات التي يرمقون بها أنفسهم لحظات مرورهم من أمامي .
، تلحق بهم عيني و هم يمرون من أمام الباب . فأرى عليهم كل الأسى بمجرد تجاوزهم الفاترينة. و كأن مشوارهم لتوه قد بدأ .

تحول المقعد الدوار إلى مقعد المشاهد المثالي في صالة عرض صغيرة و حميمة .



***


***












***

أترون ما رأيتُ ؟!
رأيتُ أمتعة ... و أحمال

و الحمل كل ما يـِتـقـَل ، الضهر من تحته ينحني ...

و الجرح مهما صبر ، هيجيله يوم و يـِنـِز .

Monday, July 20, 2009

كـــمـــا قـــال الكـــتـــاب


يمكنِك الصراخ في وجهي وقتما تشائين ، لكن واجهي الحقيقة ...

لازلتِ تبتهجين بهذا اليوم ، رغم تكراره كل عام ...

لكِ الآن أن تكتبي قائمة أمنياتك ، و تعلِّقيها على صدرك . لعل أحد منهم يمكنه أن يحقق أحدها ، أو يغشها منك و يحققها لنفسه ...


- أتمنى أن أُترك للنوم حتى الظهيرة ... أتمنى أن أترك لنفسي كل ذلك الوقت . في الحقيقة أنا لا أنام فعلاً ، بل أتظاهر بالنوم كي يرضى عليَّ جسدي ، و لا يخذلنِ في اليوم التالي ...

- أتمنى شالاً أحمراً في برتقالي ... ناراً مُحرقة ... لعلها تبعد الأنظار عن شعري الذي لا أعلم ما يجعله ينقلب علي في الصيف .

- أتمنى أن أستمع لأغنية ما ، لا أعرفها ... لكن أحبها على الفور ... و أسمع لها مرة تلو مرة ، و أنا في زحام المنشية ... أو وحدي في مواجهة البحر .

- أتمنى أن أتسلق الأرفف العالية ، و أجد ذلك الحذاء القديم الذي كان يتحمَّل الزوائد في اصبعي الصغير ولا يضايقها ...و أجري به في أحد الصباحات .

- أتمنى أن أرى يوماً فجراً لا ينتهي ، لماذا على الفجر أن ينتهي؟

- أتمنى أن يستمتع الناس بالشمس و الحرارة مثلي ... ولا يزعجوا أنفسهم بنضارات الشمس الكبيرة تلك . كل ما يمكنهم أن يفعلوه هو الزفير من الفم ... وقتها فقط الشمس تبدو أقل أهمية .

- أتمنى أن أدخل البيت يوماً ولا أجد المروحة المزعجة تدور و تدور ، و تشعرني بالغثيان ...لا أجد سريري في مكانه تحت المكيف ...أتمنى أن أنام ليلة صيفية كما اعتدتُ و أنا طفلة و النافذة مفتوحة .

- أتمنى من ذلك المجذوب اللطيف الذي يقف في طريقي كل عدة أيام و أنا في الطريقي لعملي اللطيف ، و بدلاً من الضحكته النسائية المجانة ، يمد يده لي بحبة بون بون .

- أتمنى أن أتمكن يوماً من التركيز على الأرض و أنا أسير ... بدلاً من السماء ... نصف المدينة تعتقد أنني مجنونة ، و النصف الآخر أنني مُراقـَبة .

- أتمنى أن استيقظ يوماً من النوم ، و يستمر شعوري في أول ثلاث دقائق موجوداً لمدة ساعة أو ساعتين ربما ...

- أتمنى أن انتهي من كل ما لم انتهي منه بعد


كل هذه الأشياء جميلة ... ما أتمناه بحق هو أن أصبح بالفعل في الثانية و العشرين ... كما قال الكتاب . فأنا توقفتُ عن الشعور بالسنوات ، بعد الثامنة عشر .

Saturday, May 16, 2009

الـفـراولـة ليلاً .. تـحـكـي


إذن اغلق عينيك ، و عِش تلك الوسيلة الجميلة لفهم أشياء قلبك فقط يمكنه أن يراها ...

مر الوقت الطويل ، و بقى الوقت الأطول الآن . و اصبر قليلاً ، و اعلم أن الموجة على وشك أن تكون ..

فلا تكن غضـَّاباً .. ولا تحاربها ، ولا تحارب القمر ، و النجوم التي فوقه ، و أنا ...

و اعلم أن الوحدة تزول من أساسها ، كلما جلس اثنان و حلما حلماً معاً ...

...

أتري؟؟

لا يوجد هنالك ما هو أجمل من قضمة فراولة رطِّبة ، في ليلة ساكنة ...

Wednesday, May 13, 2009

لا معنى ... فقط القليل من جلد الذات


يشهد لي الجميع بقدرتي على رد الصفعة صفعتين . استقبال وغزة الدبوس بطعنات سكين بارد - يؤلم ولا يقتل .

لا أحب استعراض العضلات و تسيير الناس حولي باخافتهم مني. لكن حين يتطلب الأمر مني أن أصفع الغرباء على أوجههم كي يخشاني أصدقائي ، أفعل ما يتطلبه الأمر لحماية نفسي .

"أنا ماشية جنب الحيط يا بُرم إنت و هوة ... لكن اللي هييجي يدوس على ديلي ... يستحمل "

رغم أن الحياة تدفع بالغباء تجاهي ، إلا إني لم اعتد عليه . ولا أشفق على الأغبياء . مهما كانوا طيبون.

ذلك الولد الذي لا يقوى على كلام متتابع يحمل المعاني . حين ضربني في ظهري ، و تخيَّل أنني لن أستجيب ، و سأتركه يمضي ، و سأحمل نفسي و طعنتي و أستند على الجدار ... رأى مالم يره مني إنسان . لم يكن رد الفعل اللحظي ، قدر ما كانت سلسلة من الوشايات التي مـَكـَّنـَتـني منه بالقليل من المجهود و الحديث .. فقط بُحت بالحقائق ، و شاهدتُ الآخرين يحملون التراب من الأرض و يضعوه فوق رأسه نيابة عني .

إلى أن دفعتُ الولد الآخر للبكاء أمام الحشد ... و بعد أن بكى ...
"كنت خليك أد اللي إنت بتعمله ..." استحمل بقى اللي إنت عملته ف نفسك ...

و لم أتمكن من النوم ..

قررتُ أن أعطيه بيدي ما أراد أن يأخذه مني بطعني في ظهري. أعلم أنه لا يستحق ...

لكني أحتاج أن أتعلم هذا الدرس الآن ...

قبل أن تأتِ الحياة الحقيقية ، و أجد نفسي أنسج لنفسي عضلات زائفة أخيف بها من يملكون عضلات حقيقية ...

Sunday, May 3, 2009

تــلــك الــتــي انــدهــشــت


لازتُ هادئة ، و إن بدوتُ عكس ذلك.


لا زال كوب الشاي بالحليب يدفئ قلبي. و قدح الكاكاو يفعل بي ما يفعله الويسكي. لازالت الشجرة على أول شارعنا ترمي زهرة بنفسجية في طريقي، و لا زلتُ أحب أن أصدِّق أن هنالك ولد كان يطيِّر طيارته ، و حين انشبكت بأفرع الشجرة و تسلَّقها الولد ليخلِّص طيارته منها ، لم يتمكن. لأنه لم يكن يعرف كيف يربط رباط حذاؤه . و من لا يعرف كيف يربط حذاؤه ، لا يتمكن من حل المشكلات التي يسقط قدمه فيها. و ظل الطفل فوق الشجرة للأبد ، و ظل الطفل يغازلني للأبد ، و ظل الطفل طفلاً للأبد .


لازلتُ أراقب شرائط الدخان يتصاعد من عود البخور ، يتراقص ، ثم يتبدد في الهواء . لازلتُ أرتدي البلوفر الأخضر، و أشعر بنفس بهجة الدغدغة حين أحك ذقني بعنقه مرة تلو مرة. لازلت أحب الراديو ، و ساعات الليل المتألِّقة و هي تسير ببطء و ثقة . لازالت البلوزة البيضاء الفضفاضة تبهجني. كل مرة أرتديها كأنها أول مرة. و لها نفس تلك الرائحة القديمة التي كانت لإحدى صديقاتي القدامى.لازلتُ أحب شرب الحليب البارد، مع سندوتش الجبن الرومي في العيش الشامي المحروق عند الحواف. لازلت أدندن نفس الأغنيات و أنا أغسل أقداح الليال الماضية في الصباحات التي تليها، و في نفس الأثناء، أتحمم بالشمس ، و أبتسم لوجه جارتنا التي تسكن أمامنا ، و تدخن دون علم أولادها ، و تنفض سجائرها و ترمي أعقابها من نافذة المطبخ . نفس الأغنيات. نفس الصوت. نفس الشمس. نفس الجارة الطيبة .. مزيد من المتعة في كل مرة.


لازلتُ أبتاع لأمي حلوى النعناع ، و الفراولة لنفسي، و الشيكولاتة لأختيَّ. بينما طرتُ كالمراهقة حين اشترت لي احداهما حمالة الصدر التي أتتني في أحد أحلامي. و في كل مرة أرتديها، تلتقط قلبي برفق في قبضة من قطن. لازلتُ أنظر للشمس من خلال البِلي الصغير. لازال طابور النمل الطويل يمتص انتباهي، و يشعرني بضآلتي ، و إن بدوتُ العكس. أرمي له بفتات العيش الفينو. و أراقبه يساعد بعضه في لملمتها.


لازلت أرتعش تلك الرعشة التي لا تضاهى ، حين يبدأ الآيس كريم في الذوبان في فمي، و حين ألتقط تلك الرائحة للقرفة قبل فورانها بثوانٍ. لازلتُ أحب الفُل، و أحب نظرة الضجر التي تبادلني إياها صديقتي حين أضع بعضاً من عطره على ظهر كفها.


لازلتُ من وقت لآخر أنام و موبايلي بجواري على الوسادة، أنير شاشته كل نصف دقيقة. لا انتظار مكالمة ، و لكن بهجة نقطة النور التي تذوب و تشعرني و كأنني عُرضة للذوبان في الظلام أنا الأخرى . دون مَن يشعر. دون مَن يدري.


من حين لآخر ، أشعر بصدري يتسع للعالم بأكمله. أشعر بتلك الدهشة التي من فرطها ، تأخذني للبكاء و أنا قريرة العين . صار لي وقت طويل الآن ... أطول مما ظننتُ انه بامكاني. و رأيت أنني لازت قادرة على الاندهاش.


تلك البسمات الرائقة على صفحات أوجه الناس.. كل تلك السعادة.. كل تلك الخفة .. تمنحني ذلك الاندهاش ، الانتعاش .. و إن بدا عكس ذلك .

Thursday, April 16, 2009

الكـائـن الــذي أحـبــبــنــي


لماذا تراني أحب كل هذا الحب ؟؟

دعسوقة صغيرة سقطت في حبي منذ سنوات ، و لا تزال تطاردني في أوقات مدروسة . و أنا أكبر شيئاً فشيء ، علمتُ أنها دليل حظ لدى الكثيرين. المتفائلين . عدد النقاط على جناحيها هو عدد الأطفال الذين سأنجبهم . و إن وقفت على أحدهم ، فهو حتماً من سيكون أباهم .



ذات مرة و أنا جالسة على سور الكورنيش مع الرجل الذي أحب . أتت وقفت ثوانٍ على شعره و طارت .

- بتبصيلي كدة ليه؟؟
- لأ ولا حاجة .. بس ابقى افتح البلوج بتاعي بالليل

لكني عدت للبيت . تثاءبتُ كثيراً . و نمتُ... الدعسوقة هي علامة حظي . سواء تحققت الأمنيات أو لا، ففي النهاية ، يسعدني أن يكون هنالك من يحاول توصيل أمنياتي . و يبهج قلبي من حين لآخر .

الرجل الذي أحب يتفاءل بسقوط فضلات العصافير عليه ، و يفرد كتفيه تحت الأشجار بثقة . يقول أن تلك هي الكائنات الطاهرة .. و أي شيء يأتي منها سيظل طاهراً . مهما زادت حماقة الجميع .



مرة أخرى أتت ، و أنا جالسة معه نتحدث في أمور تزعج بعضنا من بعض . لا أتذكر أنني كنت أتحدث عن شيء يزعجني هكذا من قبل .. بهذا الهدوء الذي شهدته في نفسي يومها .. أتت و وقفت على شعري . و كان هو من أخرجها .

و بمنتهى الرقة ، أخبرني أن هذه الدعسوقة تحبني و تغار عليَّ منه .



و المرة الأخيرة كانت منذ دقائق . و أنا أجلس بجوار النافذة المفتوحة ، أفتقدك كثيراً . جاءت ووقفت على خدي ..و ذهبت .

ثم تساءلتُ: من أنا ؟ من دون كل هذه اللمسات الدافئة التي تطاردني و تملأ عليَّ عالمي الصغير المنغلق عليَّ معه ..



و أتساءل مجدداً : لماذا تراني أحب الدعسوقة كل هذا الحب ؟؟


لماذا ؟؟

Monday, March 30, 2009

تــحـــيــا الـشـيـكـولاتـة





ما أحلى أن أتناول الشيكولاتة ..

مباشرةً بعد غـسـيـل أسناني .


.. و كأن تلك هي مشكلتي !


لعلك تفهم ما أقصد ..

Thursday, February 12, 2009

بـعــد الـبــرد ..



مابقتش بحب الشتا ..

ما بقتش حـِمـل البرد ..



بيقولوا إن البرد بيقرَّب الناس من بعض ..

بس إذا خلص البرد ،

تفتكر هنفضل مع بعض ؟!

.
.

أنا أفتكر أوي ..

مش صعب عليا أفضل مع حد بيقوللي : احلمي بذمة شوية .. أحلامك أوامر

***

الصورة لـ صفوان عطية

Tuesday, January 13, 2009

آنــــا كـــــارنــــيـــــنـــــا

لأجل الاضطرار فقط سأكتب هذا ؛




لا أرى أجمل من الطيران .. في حالة إنني اضطررتُ لاختيار كهذا ..

لكنني ما كنت سأفعل مثلها على أي حال .

لستُ قابلة للكسر !


لستُ "آنا كارنينا"

***



**
الصورة : الممثلة جريتا جاربو . ممثلة أمريكية سويدية من أيام الأفلام الصامتة


Tuesday, January 6, 2009

اقـــتــــراب


أستطيع الآن سماع الصلصلة ..

تعلو .. و تقترب

بقوة و حنكة حيناً ، و على استحياء أحياناً .

يمكنني الآن أن أقول :

بــِدَأب ٍ .. البائع يروي