Friday, November 20, 2009

أحــلام لا تـــوشـِــك عــلــى الــتــحــقـُّـق


على القلب أن ينخلع . و على العين أن تدمي و تنتفخ.

لكن هذا هو الوضع منذ نعومة الأظافر.

***
الحقيبة ذات العجل و هي تجرجر على السيراميك تحمل لأذني صوت المؤذِّن بالرحيل. تنسد أذني من فرط كتمان البكاء في كل مرة. و تدق فكرة غريبة على رأسي ؛

هو رجل المفاجآت...لعله دبَّر الأمر كله هذه المرة كي يفعلها في آخر لحظة و يجري نحونا رامياً جواز سفره من يده اليمنى ، و حقيبة سفره من يده اليسرى...

ربما سيفعلها هذه المرة ... لا يمكنني أبداً التنبؤ بمفاجآته.

***
العلكات تمنع البكاء. و تفك انسداد الآذان.

إلا في هذا اليوم...

كل مرة أذكِّر نفسي بالمرة التي سبقتها ، و أتذكر ما فعلته بنفسي كي أتكيَّف مع غيابه ، و كم أقول لنفسي أن المرة المقبلة حتماً ستقضي عليِّ.

لا شيء في العقلي إلا رغبتي في بقائه .

و أشعر فجأة أنني مُنهَكة.

و لا شيء يؤلمني بحق إلا أنني لا أجد شخصاً ، من لحمِ و دمِ ، لألومه.

***
أنا أتغيَّر...

كل مرة يأتي عليَّ هذا اليوم ، أكن مختلفة. لكن أستقبل الأمر بنفس الطريقة في كل مرة.

...


السنوات تمر. و هو يرحل و يعود...

يطول شعري و يقصر ، تتسع بناطيلي و تضيق ، يثقل عقلي و يخف ... و هو يرحل و يعود.

تمتلئ حقائب يدي و تفرغ ، يضطرب قلبي بالحكايا و يهدأ ... و هو يرحل و يعود.

...

السنوات تمر. و التفاحة قد نضجت تماماً... لكن عندما يأتي الأمر إليه ، أنا طفلة متعلِّقة ببنطاله ، أتوسَّل و أبكي له كي يحملني و يدور بي في الهواء.

أغلق عيني بقوة ، و أحاول التذكُّر...

هذا ما يحدث معي منذ أن بدأ عقلي في تخزين الذكريات. إلا أنهم يقولون لي أنني بقيت أول ثلاثة سنوات من عمري دون أن يرحل و يعود. ثلاثة سنوات.

إلا أن الأمر معي جاء بالعكس...كلما كبُرت ، كلما بات الرحيل أكثر ألماً ، و أعمق . مرة بعد مرة . كلما صرتُ أنضج ، كلما ينمحي كل ذلك في لحظة ، و أجد نفسي أنكمش لأعد أكثر طفولة مما كنت عليها و أنا طفلة.

***
أحلام أبي بابنته لا توشك أبداً على التحقق. هنالك دوماً المزيد من أجلها. الفساتين . العطور . الموبايلات . الجامعة . السيارة . أماكن قضاء العطلات ...

ابنة أبي ليست خارقة القدرات ، لكنها تملك تلك القدرة على التكيُّف مع الأوضاع كما هي...

ما لها لا تقدر على التكيُّف مع رحيله ؟

لا توجد حلول...سوى تلك التي تجعلها تصبر من العام للعام الذي يليه كي تعوِّض ما تفتقده. و كلها بمثابة كبسولات المسكِّن. لا توجِد حلاً – تمرر الوقت ، و تطيل حبال الصبر.

***

أحلامي بأبي ، لا توشك أبداً على التحقق ، هنالك دائماً المزيد من المكالمات الدولية ، المزيد من الرحلات للصرافة و العودة بأكياس القمامة التي أحمل بها أوراق توت عنخ آمون...

***
مالي كثيرة الكلام الليلة ؟

***

ذلك الفيلم الذي رأيته من أعوام على القناة الثانية ، و أخذني للبكاء كالأطفال ، هو ما يتكلَّم ...

والغرض الحقيقي هو أن أجعل الجميع يراه...

الاسم :
Father And Daughter

اخراج :
Michael Dudok De Wit

مدة الفيلم :
8 دقائق

فاز بجائزة الأوسكار كأحسن فيلم قصير (صور متحرِّكة)


تحميل :

http://rapidshare.com/files/34062242/Oscar_Short_Animated_Film_2000_Father_and_Daughter_-_8_08-curta_d_anima__o-by_H-RAMOS.rar



أو

اضغط هنا لتحميل الفيلم


هذا هو غرضي الحقيقي ...

أن أجعل كل الأصابع تمس هذه الندبة على قلبي ...

مد يدك أيها الصديق ، و لا تخذلني . و دعني أُريك الفيلم الذي يبكيني في كل مرة .

Sunday, November 1, 2009

كـل الـسـواعـد الـتـي تـحـمـل عـنـي



تذكَّر جيداً أنني من البداية لا أملك صكوك العتق...أنا منشغلة بأمور أخرى.

***

قيل لي ذات مرة أنني إن عجزتُ عن وصف شيء ، يمكنني أن أقارنه بشيء آخر يختلف عنه.
ستكون مندهشاً كالأطفال و أنا أخبرك عن كم الأشياء التي تشبهك كل يوم.

أعلم أنك لا تعلم. و يمكنك في كلمة أن تكذِّب ما أقول ، تفهُّماً منك لطبيعة الأشياء في عقلي. و لونها في عيني. و شكلها على أصابعي. و بشكل ما ... أنت على حق.
***
في بدايات المراهقة كان هنالك شيء مقرَّب إلي قلبي تفعله أمي معي كل فترة ، و مازالت تفعله حتى الآن .
كلما تمر على صيدلية لشراء شيئاً ما ، تحضر لي معها مجموعة مستحضرات لِحَب الشباب الذي كان يظهر لي على طرف أنفي ، أو طرف الشفاه العليا ، أو في الوادي الضيق بين جانب أنفي و خدي. كانت أمي ترتعب منها أكثر مني تقريباً ، و كان يتسرَّب شعورها إليَّ. هذه المستحضرات هي زجاجة غسول وجه ، زجاجة لوشن لإزالة المكياج ، و زجاجة مرطِّب. جميعاً من نفس الماركة ، و لهم نفس الرائحة.
أتعلم؟ كلما أتذكَّر... أجد أن رغوة الغسول كانت أنعم رغوة مرت على أصابعي. من فرط هشاشتها لا أشعر بها على يدي و أنا مغمضة العينين.

إنها نعومة رغوة الصابون يا عزيزي ، هي ما جعلتني أنصت إلى ما تقول...

***
القط الذي تربيتُ معه ، كان إنساناً و أحببته أكثر من دراجتي. و لم أكن أغادر البيت كي ألعب بالدراجة في الشارع ، كي أكِنُّ معه بالبيت.
كان قطاً حساساً و طيب. كان أطيب مني. و كان متعالياً و واثق. لا يسمح لأحد أن يحمله أو يأخذه تحت البطانية. لكن في أوقات دورتي الشهرية ، أو أوقات بكائي كان يشعر بي ، و يأتي إليَّ و يجلس على ظهري. و يدور دورتين حول نفسه ، و يتكوَّر على نفسه و ينام هنيئاً.
أسكن أنا مكاني مستمتعة بصحبته ، و أغيِّر وضعي كي أمسِّد شعره. كان يحب أن أداعب ذقنه ، و كانت عنده بقعة مشمشية اللون على طرف ذقنه ، كنتُ أضع إصبعي عليها و أحرِّكها في دوائر. إلى أن أسمع كركرته و تعبيره عن الرضا و الاطمئنان.
هنالك شيئاً من النقاء في القطط أفتقده في البشر؛ القط المغرور ، كان يستسلم لي ، و يسمح ليدي تدغدغ بطنه برفق دون أن أزعج نومه. و ببساطة يوجِّه نفسه ليجعل أصابعي تدغدغ أي مكان يريده هو. و يمكنني أيضاً أن أتوقف وقتما أريد ، و أنهض من مكاني. و يتحرَّك هو ليجلس في مكاني الدافئ.

إنها كركرة القط بالسعادة يا عزيزي ، هي ما تجعلني أداعب ذقنك.

***
في يوم ممطر كان عليَّ أن أذهب بعيداً في مهمة إحضار شيئاً من موقف الأوتوبيسات. و صدر منك أول تطوُّع بمصاحبتي ، و تلاه الكثير من الطلبات بالمصاحبة من قِبَلي .
و نحن جالسين في المواصلة المزدحمة ، على أحدهم أن يتطوع لجمع المال من الركاب ، و إعطائهم باقي نقودهم ، و تسليم النقود كاملة للسائق. و شاهدتك و أنت تقوم بالمعاملات المالية التي تتطلب قدرة حسابية معقدة بالنسبة لعقلي و قدراته المحدودة.
- "مين يا جماعة لسة ما دفعش الأجرة!"
- "باقي الإتنين من الخمسة اللي ورا..."
- "إنت و الأخ اللي جنبك ف الجنيه ده."
و تحرَّكت للأمام إلى طرف المقعد ، و مددتَ ذراعك إلى نهايته للسائق قائلاً : "عربيتك يا أسطى!". إن تمكَّنت أنا يوماً من إجراء هذة المعاملات دون ارتباك ، و بالسلاسة والسرعة التي قمت أنت بها ، بدون تردد سأذهب لأباشر عملي بدوام كامل كسمسارة في البورصة. كان الأمر أشبه بأنني أشاهد شخصاً يضع أطواقاً ملونة في ذراعيه و أحد أرجله و رأسه و وسطه ، و يجعلها تدور و تدور دون أن يترك أحدهم يسقط أو يتوقف. استعراض كبير. رائع و مدهش. كنت على وشك أن أصفِّق لك وسط صمت الركاب.
- "مالك بتبُصيلي و تضحكي ضحكتك الخبيثة كدة ليه؟"

إنها الأطواق المستديرة الملونة التي لا تتوقف عن الدوران ، و التي لا تشعر أنت بوجودها يا عزيزي... هي ما تجعلني أنظر إليك خلسة و أبتسم.
أتعلم ماذا أيضاً يذكِّرني بنا و بمناقشاتنا اللاذعة منها و العذباء؟

تورتة "لا بوار"... الأخف و الأجمل و الأبسط يا عزيزي.

شيكولاتة "فيريرو روشيه"... التي لا اكتفاء منها.

غزل البنات...كلما نظرتُ فوقي ، وجدته في السماء.

بائعي المناديل في الاشارات...خفاف الظل منهم ،الذين لا يمكن مقاومتهم.

محلات الملابس... كلما دخلتُ واحداً توجهتُ للقسم الرجالي ، أتحسس البلوفرات و القمصان المخططة.

طفايات الحريق الحمراء الكبيرة ، و الصناديق الثقيلة ... و كل السواعد التي تحملهما عني.

الذقون الحليقة . و رائحة النجيل . و اللون البرتقالي للصدأ على مقابض الأرجوحات. و الخيول البنية التي أمسِّد عليها دون أن أشعر و أنا أمر بجوار عربات الحنطور.

علب الـ"فيروز" ، و حاوية العطر الفخارية الموجودة بالسيارة.

كل أرصفة الشوارع التي أرمقها على طولها أملاً أن أراك صدفة. كل العربات التي لم تصدمني لعبوري الطريق بيدك. كل روث الأحصنة الذي لم أخطو عليه. كل الأغنيات التي أستمتع بها ولا أعرف أسمائها. كل ملابسي الواسعة عليَّ. و كل حقائب يدي "البؤجات". كل ثمرات الرمان معلقة لدى بائعي العصير. و بائع العرق سوس ، و صلصلته...

صَلصِلته من أجلي ...

***

ففي النهاية ليست أنا من تملك صكوك العتق من هذا الشعور و هذه العلاقة . أنا منشغلة الآن بالرقص على هذه الصلصلة العالية و المتقنة.

في مسابقات "شَد الحبل" ، و إن كنتُ أخسر... ليست أنا من تترك الحبل و تترك النِد يسقط على ظهره. أظل ممسكة به إلى أن أعبر خط الخسارة واقفة على قدمي.

... غير أنني لا أحب هذه اللعبة على أي حال . أنا آخذ الحبل و أصنع منه سريراً رائعاً لأنام عليه طويلاً دون أن تؤلمني أصابع يدي.