Thursday, January 28, 2010

رجــــل الـــســـمـــاء


عادت الشمس . و صار كل شيء على ما يرام .

ألا تكفيكم كل هذه الأيام من اللون الرمادي؟ و ألا تملُّوا التحايل على برود هذا اللون بالكوفيات المزركشة ، و البلاطي الطويلة الثقيلة ذات الأزرار الضخمة ، التي لا تمكنكم من رفع أذرعكم للأعلى و لو مرة واحدة في اليوم .

عادت الشمس لتفقأ الأعين الكسولة تلوِّن الأشياء ، و لتجفف بـِركـات الوحل على جوانب الطرق ، و تؤمِّن لكم السير الآمن . و فرد كفوفكم ، و قبضها . و ابعاد اصابعكم عن بعضها ، و إعادة تقريبها ، و تأمـُّل تلك المساحات التي ستتشكَّل و تتخللها . و كيف ستبدو الأصابع حمراء وردية . لون قبلات الصباح .

و يمكنكم ارتداء البرتقالي على الأحمر . مع شال أخضر زيتي ، و السير تحتها بثقة . و خلع نظارات الشمس العملاقة التي تحجب لمعة العين و بسمات الروح .

ألا تعلمون السر؟

في وجود الشمس ، لا تتواجد سوى الأعين الجميلة . لا توجد سوى الشمس هي من تفهم أعينكم جيداً ، و تعلم زوايا انعكاس اللمعة لأعين الآخرين .

فقط هي ...

أنا لا أتحدَّث بقلبي سوى بالعربية . لكنني أعلم أن الشمس في اللغة الفرنسية مذكـَّر . بينما القمر مؤنـَّث ... و أنا لا أتحدث الفرنسية . لكنني قادرة على هذه اللعبة التي تمكنني من اعتبار الشمس رجل . فقط طلَّته في وجهي ، تشرح قلبي ، و تأخذني للاحتفال به كل يوم . أقدر في حضوره أن أترك خصلاتي مهما كان شكلها . ففي حضوره ، لا يوجد مكان للخصلات القبيحة ، كلها ملوَّنة . حتى و إن كانت حالكة السواد .

أنا أحب هذا الرجل الذي يأتي إليَّ كل صباح ، يلوِّن الحياة و يبعث فيَّ الدفئ . و الرغبة الحقيقية في الاستسلام لحضنه مهما طال .

اليوم ، نظرتُ له في عينه المثبتة في السماء . و نظرتُ بعيني المجرَّدة . و رأيت كل الألوان تحوم حول هالة من البياض . و كان البياض من نوره ... و الألوان تطفو من عيني أنا .

على الرجال اللذين يسيرون على الأرض التعلـُّم من الشمس كيف يكونون رجالاً بحق . يبعثون الحرارة و الأمان . و يخرجون من العظام أوجاع البرد و كسل اللون الرمادي . و يمنحون لنا من أنفسنا خيالات و ظلال نطاردها . و نتأملها ، و نختال بها .

أنا أحب الشمس . و أغلق عيني هذه الأيام و أبتسم شماتة في هؤلاء اللذين يحبون الشتاء . و لا أشعر بالأسف على شيخوختهم ، ولا على احساسهم بالخطر الدائم ، و تـَخـَفـِّيـهـِم في معاطفهم و رقبات البلوفرات العالية السميكة . واضعين أيديهم في جيوبهم المكدَّسة بالمناديل .

و أعلم جيداً أن بينهم و بين أنفسهم يحسدونني على قصة حبي مع رجل السماء الذي قد أفاق من وعكته ، و نفض السحب عنه و نهض ليهدهدني .

و أختال أمامهم بلا شعور بالذنب . و لا أتمنى لهم الحرية من هذا للظلام و هذه القهوة الباردة . ولا من
هدوء و رومانسية حب المطر. لا و هذا التظاهر الخشن بالأناقة الغير واثقة ... التي تستر العيوب ...