Monday, May 31, 2010

أنا و "آدم" ... ربـمـا فـي عـالـم آخـر


قال الإله إلى "آدم" : أنا يمكنني أن أخلق لك الوليف المناسب تماماً. الوليف الذي سيجعل منك رجلاً سعيداً مكتملاً دون تعقيدات أو مساومات. لكن ذلك سوف يُكَلِّفك ذراعك و قدمك.

ردَّ "آدم" : و ماذا يمكنك أن تخلق لي مقابل ضلعي؟

...

هذه هي الدعابة الأبدية التي أحاول جاهدة أن أقنع نفسي أنني لا أفهمها.

***

دون تعقيدات ، أنا أشعر بسعادتي في وقتها. لا بعد أن تزول. و ذلك أتاح لي طوال الوقت أن أعلم أين أنا. و ماذا أريد. و ما في يدي أن أفعل إن لم تسر الأمور كما يجب.


لم أكن سعيدة مع "آدم". تلك هي الحقيقة التي لم أراوغ نفسي كي أصدِّقها. كنتُ أراها و لم أهرب منها. فقط عزَّيتُ نفسي بما تعلَّمته من قبل مراراً.

- الرجل ، حين أحبه ، لا أمنحه قلبي فقط...و إنما القدرة على أن يكوِّره و يطوِّح به في وجه الحائط.

- الرجل الذي يعلم جيداً كيف يخطف أنفاسي و يسعدني ، و يرفعني بأجنحة تجعلني ألامس السماء...هو نفس الرجل الذي يعلم جيداً كيف يُنِزل بشَعري إلى التراب!


قلت لنفسي أن "آدم" يفعل ما يستطيع. و انه ، على الأقل ، به من النظافة و الطيبة ما يكفي كي يجعلني أطمئن له ، و"لا أُخبيء له سكين وراء ظهري" ... كما كان يقول.


"آدم" كان هادئاً. ذلك الهدوء الذي يمكن بسهولة أن تعلم أنه ليس وليد السكينة بالضرورة. لكنه شيء من عدم الاحساس بالأمان ، و أنه طوال الوقت ليس لديه شيء يقوله. فالكلام ممارسة كما أعلَمُ جيداً. و للصمت أيضاً طرقه في الاقناع و ملئ الفراغ. لكن ليس صمته. فصمته لم يكن صمتاً متكلِّماً. كان صمتاً مملاً بالطبع... و لكنني مليئة بالصخب الذي يُسلِّيني و لا ينتهي. و بالضرورة كان يمتعه و يعطيه الأمان الذي يريد.

***

في فيلم "I heart Huckabees" هنالك شخصية الشاب المتكلِّم المسلِّي الذي يحبه كل أصدقاؤه. و الذي دائماً لديه حكاية أو موقف مضحك كي يرويه. منهم موقف يحكيه عن صديقته المشهورة التي لا تحب المايونيز و أنها لا تأكل سندوتشات سلطة الدجاج بسبب المايونيز. فذهب هو أحضر لها سندوتشات تونة و أخبرها أنها لا تحتوي على مايونيز. و كي يجعلها تصدِّق أخبرها أنه لديه حساسية من المايونيز(و كان يكذب) و أكل أمامها سندويتش. فاطمأنَّت و أكلت سندويتش و نصف حتى شبعت ... قبل أن تكتشف أنها كانت سندويتشات سلطة دجاج بالمايونيز.


بعيداً عن الحكاية نفسها ، الشاب اكتشف ، . بعد أن كان أحدهم يُسَجِّل له أحاديثه ، أنه يكرر نفس الحكاية ولا يحكي غيرها. مراراً و تكراراً. و أثناء مشاهدة الفيلم يمكنك أن ترى كيف يحكيها للناس كل مرة و كأنه يحكيها لأول مرة.


"آدم" الصامت لمَّا كان يقرر أن يتحدَّث أو يمزح ، كان يحكي نفس الحكايات. مراراً و تكراراً. كان الأمر مضحكاً في البداية. مع الوقت صارت الحكايات و طرق المزاح المحفوظة لا تضحكني لمحتواها ، ولكن لأنني رأيتُ أنه لا يلاحظ أنه يكرر. و كان شيء صادم أنه لم يلحظ ذلك. و ظلَّ يكرر. تماماً كالشاب و حكاية سندويتش سلطة الدجاج.


أشهرهم حكاية ابن عمه الكندي و زجاجة المياة المعدنية. و أيضاً حكاية الذهاب للجامعة في الصباح الباكرو الموظَّف الذي يسأله عن الكارنيه في هذا الوقت. "هو أنا إيه اللي هيدخَّلني الكلية دلوقتي؟ داخل أصتاد؟"

و يزيد عليهم اثنان أو ثلاثة. هو يعلمهم جيداً. و أعجبه أنني أبتسم كل مرة. إلى أن أخبرته في المرة الأخيرة بكل ملاحظاتي.

الأمر كان ملحوظ فعلاً بحكم أنني أتواجد معه كثيراً. أنا أحترم الدعابات ، و لم تحدث مرة أخبرني أحد دعابة لم أضحك عليها. لذلك فأنا كنتُ أضحك على مزاحه القليل ضحكة من ليست بيدها حيلة لتجعل حبيبها ينطِق. لكنني في النهاية مللتُ.

***

صمته طوال الوقت ، في البداية ، كان يريحني كنوع من أنواع أسبرين الصداع. و أنه على الأقل لا يحاصرني و يلاحقني كّظِلِّي في كل مكان و يطاردني بمكالمات آناء الليل و أطراف النهار. ولا يغار أو يثير المشكلات. و لا يحتاج هدهدة من أي نوع... ثم رأيتُ مع الوقت أن من فرط تناوُل أسبرين الصداع ، يصبح الأسبرين نفسه هو ما يسبب الصداع.


و أصاب رأسي الصداع !

تحاملتُ على نفسي لفترة. و استسلمتُ للعصبية التي يسببها الصداع لفترة. ثم أُرهقتُ و قررت أن أغلق عيني و أنام قليلاً. و طلبتُ منه وقتاً مستقطعاً كي نرتاح من بعضنا قليلاً. فالملل يملك يد تصل لكل أشيائنا. و توقَّعتُ منه التفهُّم ، و رأيتُ علي يديه كيف يمكن لهؤلاء الذين ينقصهم بعض الاحساس بالأمان أن يعافروا و يتملَّصوا من قبضة القرارات الحاسمة. بنفس القوة التي كان يقاومني بها القِط الذي كنتُ أُرَبِّيه حين أحاول أن أجهِّزه للاستحمام.


تملَّص مني. و علَّق الأمور على شروط . إما العودة لما كنا عليه ، أو الرحيل نهائياً. و أنه لن يهادن لأي فترة دون أن يعلم ما قد أقرره أنا في فترة الهدنة. و كان ذلك مؤلماً. و غير متوقَّع من ولد مثله أن يُشهِر الأسلحة في وجهي. و رغم أنني كانت لديَّ أسلحة كثيرة يمكنني أن أبارزه بها ، كما يعلم هو جيداً ... إلا أنني لم أفعلها وقتها . قلت له أنني أهادنه و أخبرته أن يفعل ما يريد...


كان مغروراً. مغروراً في قاع القلب ، ولا يظهر ذلك كثيراً. لكنه لمَّا يظهر ، يظهر لي وحدي ... و في أوقات معينة. لكنه كانت لديه العادة التي أحببتها جداً و التي ، بدون مبالغة ، لم أرها في شخص من قبل-كان يراجع نفسه ، و يغيِّر قراراته بعد التفكير. و لا يكابر. ولا يتمكن الغرور منه للنهاية أبداً. كي أكون عادلة.

و بمكالمة في وقت غير متوَّقع ، يباغتني بـ : "أنا فكَّرت!"

و كان قد فكَّر جيداً ، و قرر أنه من مصلحتي و مصلحته ... أن أذهب للنوم حتى أنال كفايتي منه.


"آدم" كان طيِّباً. و أحبَّني. كان يحب كرة القدم أيضاً ، و يتابعها ، و يجلس كثيراً على المقاهي. و كانت تلك الصفات تستهويني. و تشعرني ببساطته عندما قارنته بالآخرين "الفنانين" و "القراء" و "المثقَّفين" و "الرومانسيين" ، اللذين لا تهمهم هذه الأشياء كثيراً ، و يعتبرونها تفاهة.


أعطيته دبارة كنتُ ألفها حول رسغي و أنا في الثانوية ، و أعطاني هو سلسلة فضية على شكل عصفور يقف في أرجوحة على شكل قلب. و عندما أهديته محفظة ، أهداني عروسة على شكل ضفدع وردي – أمدُّ كفي داخله ، فيفتح فمه و يخرج لسانه. و في عيد مولدي أهداني تي شيرت مكتوب عليه "طالل علينا قمر" ، و في عيد مولده أهديته شاحن بطاريات لكاميرته. أهديته البون بون ، جلب لي علبة ألوان خشبية و كراسة تلوين. أهديته قبعة في عيدنا السنوي ، أهداني شالاً و دلاَّية و شيكولاتة و روايات. جلب لي فانوس رمضان ، و أعاد عقد حبات سبحتي الحمراء في نفس الشهر. و في عيد الحب ، أهديته عطر ، فأهداني حذاء ... فارتديته و ذهبتُ .


كانت به كل الأشياء التي تمكِّنه بحق من قلبي. لكنني ، و ذهني واعي تماماً ، رأيت انني صديقه (مع حذف تاء التأنيث بحرص بالغ). و أنا لا أمانع هذه المكانة الحميمة التي يخص بها ولد فتاة مثلي. و يمكنني أن ألعب هذا الدور جيداً و أسعد به مع "صديق". لا حبيب برتبة صديق.


عندما كنتُ أمِدُّ يدي كي أمسك بيده كان يلف أربعة أصابع فقط حول كفي بينما يفرد الخنصر بعيداً. كأنه يمسك منديلاً انتهى من استخدامه لتوه ولا يريد ضمه إلى بطن كفه . و لمَّا تكرر الأمر ، لم أعُد أفعلها. صار عندما يمد يده ليمسك يدي ، أسبقه و ألِّفُ ذراعي حول ذراعه... و أنتظره أن يثني ذراعه ، لكنه كان يتركه مستقيماً. و نسير هكذا-أنا ذراعي ملفوف حول ذراعه ، و هو ذراعه مستقيم.

ماذا ترى في ذلك ، "آدم"؟ هل ترى فتاة تحاول أن تمسك بك؟


و بالطبع لا رسائل قصيرة تحمل حبه لي ، و تُشعرني أنني في ذهنه. ولا تعليقات من أي نوع على ألوان ملابسي ، ألوان مكياجي ، شعري .. أو حتى ملاحظات على كلماتي ، حركتي ، ضحكتي ... لا شيء على الإطلاق كان يستدعي أي تعليقات.

و لا زهور بالطبع... فهو يراني غير كل الفتايات. أنضح من أن تسعدني وردة!

هكذا كان "آدم" صديق جيد. و أخ كما قال الكتاب...فيما عدا ذلك ، كانت أشياء أضيفها أنا كي أقنع نفسي أنني سعيدة. ، كنت أزيِّنه و أزيِّن علاقتي به تماماً كما تزيِّن أمي بزهرة الأماكن الخالية من الفساتين.

***

كنت بانتظار تلك المرة التي سيأتي لي فيها يتحدَّث معي عن أمر حدث له في حياته و يزعجه ... أو يُسعِده. أي بوح من أي نوع. و ظللتُ مُنتَظِرة إلى أن نسيت هذا الأمر نهائياً. و توَقِّفتُ عن الانتظار دون شجار أو مقاومة. أصابتني عدوى الصمت. لا صمت السكينة ، و لا صمت مَن لا تعرف ماذا تقول ... و إنما صمت اليأس.


كانت أمور مُحزِنة. و ما يجعلها كذلك هو أنها غير مقصودة. و ما يُشعِرني بالألم أكثر من هذا و ذاك ، هي أن هذه الأشياء لا يمكنني أن أُعلِّمها لفتى كما علَّمته أمه كيف يأكل بنفسه. لِمَ عليَّ أن أعلِّمه كيف يُبدي لي أنه متمسِّكاً بي. و أنه يريدني كما أريده؟ ألأنني قررتُ الارتباط بطفل صغير؟ أم لأنه رآني أنضج من الأخريات ، و لن أتوقَّف عند هذه الصغائر؟

سواء كان هذا أو ذاك ، هو لم ير أي شيء. و كنتُ أتكلِّم و أُحذِّره ، إلى أن أصبحتُ ثقيلة الظل بالشكوى. فتوقَّفتُ عن الكلام. و هو لا يشعر بالرمل و هو يتسرَّب منه و هو يمسك به بأربعة أصابع. "آدم" كان سعيداً. و أنا كنتُ ، في هذه العلاقة ، وحدي لفترة طويلة قبل انتهائها. لذلك لم أنهار و أكتئب. و لم تشتكي مني صديقاتي بأنني فقدتُ هويتي و لم أعد صديقتهم التي يعرفنها.


و الآن ... طوال الوقت ، و بدون أن يطرأ أي تغيُّر على مَن حولي ، أشعر أنني مرغوبة فيَّ ... و أنا لم أشعر بذلك الشعور منذ بدء علاقتي بـ"آدم". و لم أعد أشعر و كأن جميع جيراني ، و صديقات أمي ، و آباء صديقاتي ، يمكن أن أراهم صدفة في الطريق ، و يُفضح أمر علاقتي بـ"آدم". صرتُ أسير في الشوارع و أنا أعلم أنني لستُ متأخِّرة على شيءِ ما ، كما كان الشعور يحاصرني من قبل. لكنني أتذكَّر لحظات معيَّنة بيني و بينه. و أسعد بها. و أعود أتذكَّر آخر أيامنا سوياً ، فأغلق عيني ، و أدير رأسي في الاتجاه الآخر. "أنا ليه عملت كدة بس!"


و تعلَّمتُ ألا أجبر قلبي على اتباع عقلي. و أنني عليَّ دائماً أن أستمع جيداً لإجابتي على هذا السؤال : "أنا مبسوطة ولا لأ؟"

الأمر كان بهذه البساطة. و هذا هو الدرس الجديد الذي أضافه "آدم" لي. و قد كان أبسط من أتَّخذه بجديَّة.

لكنني في النهاية لازلتُ كما أنا - أكثر جدِّية مما تتطلَّبه الحياة. رغم كل ما قد يبدو عليَّ من سخرية و استخفاف. أنا أعرف رأسي جيداً!


و أشعر بالألم من حين لآخر. في النهاية أعود و أفكِّر في أنني إن لم أكن أحببته ، فلماذا يتراءى لي وسط الشباب الذين يعبرون طريق الكورنيش جرياً؟ و حين أُمعِن النظر فيهم ، و يظنونني معجبة بهم. فتلمع عينهم و تثبت على عيني للحظات ، فأكتشف أنهم ليسوا "آدم" . ثم يعبرون بأمان من أمام سيارتي ، و يتركوني و يمضون.


و لماذا أبكي كثيراً في كل الأفلام التي أدخلها ، حتى و إن كانت نهايتها سعيدة؟ لماذا كل يوم ، و أنا عائدة إلى البيت ، أرفع عيني إلى البلكونة و أنظر لنبتة مسك الليل التي ارسل بها إليَّ ليطلب مني أن أُعيدُ النَظَر في أمر فراقنا؟


اليوم و البارحة ذهبتُ إلى جامعته الساعة الثالثة ظهراً ، و زرتُ الأماكن التي كنتُ أنتظره بها بعد امتحاناته - مكتبة "الطبيب و المُهندِّس" التي كان يبادلني الجميع نظرات ريبة من وقفتي أمامها. و كأنهم يعلمون أنني لا أنتمي إلى هنا.

و تذكَّرتُ فجأة أيام ما كانت أمي تأتي لاصطحابي بعد امتحاناتي – تركن سيارتها أمام المكتبة ، و ترفع نظارة الشمس أعلى رأسها فترفع قُصتها لأعلى و تكشف عينها عن نظرة القلق عليَّ.

أهدأتُ من سرعتي كأنني أبحث عن مكاناً أركن فيه و توقَّفتُ تماماً أمام المكتبة. بينما أنني في الحقيقة أردتُ أن أراه من بعيد.


رفعتُ نظارة الشمس إلي أعلى رأسي كي أرى جيداً مَن في داخل المكتبات المزدحمة. و عيني تنظر و تبحث ، و تتجاهل نظرات من يعلمون أنني لا أنتمي إلى هنا. و تذكِّرتُ المرات التي دخلتُ هذه المكتبات معه أوقات الامتحانات ، و كانت المكتبات تختنق برائحة عرق جميع من فيها. لكنني كنتُ هادئة و راضية. و سعيدة بصحبتي له.


كان ذلك منذ زمن. أو لعله يبدو لي كذلك فقط. فأنا أرى بعيني كيف ساءت الأمور بيننا ، و أعلم أين تجاوزتُ حدودي ، و أعلم إلي أي مدى كان عليَّ أن أُجِنُّ و أغضب كي يستمع هو لما أريد أن أقوله. و يتخذه بجدية. و أعود و أقول أنه لم يكذب عليَّ. و لم يعدني بغير ذلك. و لم يبدُ عليه أي قدرة على أن يعطي أكثر من ذلك. أنا من كانت تزيِّن القصة بكامل رغبتي في الخوض في الوهم.


إنه "آدم"! الولد الطيب الذي أحبَّني...دون شوائب أو تعقيدات. أو محاولات للإرضاء. و قد كان عليَّ أن أرفض كل محاولاته في العودة قبل أن يتحوَّل الأمر إلى مسرحية سخيفة. قد يحدث و أن تُكتَب لنا حكايات نَعِشها سوياً ، و نعش بها كل ما لم نعشه هذه المرة...


في عالم آخر ربما ... لا أكن فيه بنفس الحساسية ، و لا تكن فيه بنفس الجمود! لأنني لم أتمكَّن من انقاذ هذا العالم يا عزيزي. لا بفقاعات اللبان التي أصنع ، و لا بالبوسا نوفا التي أسمع.


لعلك تفهم ما أقصد!