Wednesday, August 19, 2009

لا خـطـر ، لا مـلـل أو حـزن على الإطـلاق


في البداية ، هنالك شيء واحد تستند إليه كل الأمور...

***
ساعات النوم الطويلة من حين لآخر ، تأتي بالكثير من المفاجآت.

لما فتحتُ عيني رأيتني لازلتُ جالسة هناك ، واضعة سماعات "أدهم" في أذني ، و الجميع حولي لا يتذمرون من تصرُّفي هذا. و في استسلام لساعات الليل القليلة الباقية ، يتحدَّثون. نزعتُ السماعة من أذني و سمعتُ حديثهم حول أنهم سيذهبون جميعاً للعب في مكان اسمه "دهشة".
- " فين؟ "
ترد عليَّ "إسراء" في استغراب..
- "دهشة.. ماتعرفيش دهشة؟ "
لم أسمع بالأسم من قبل ، لكن من الواضح أنه مكان معروف بعد أن رأيتُ "آيات" تردد: "هتتبسطوا بجد". انتبهتُ على من يلعب بسلسلة مفاتيحه كي يحفِّزنا للنهوض و تنفيذ الخطة..."كريم".
- " كيكو... انتَ جيت إمتى؟ "
ضاع سؤالي وسط صخب التحرُّك و الثرثرة.

***
هذا هو المكان.

أكبر بلازا رأيتها في حياتي ، من البلاط الرمادي ، و بها أغرب ما يمكن ألا أرى مثله مرة أخرى...الأرضية من أركانها البعيدة ، مرتفعة ، و تخرج منها ألواح أقل في المساحة ، تصل بين المنطقة المرتفعة و المنخفضة التي أقف أنا عليها. و كأن الأرض ستنطوي على من عليها.

مليئة بالبشر. و من فرط وسعها ، أراهم صغار. تماماً كما نرى الأشياء من الدور العاشر ، أو أبعد. و الجميع يتزلَّجون...البعض على الباتيناج ، و البعض على Skating Boards. الجميع بارعون. الجميع يرتدون ألواناً زاهية. يندفعون نحو أركان المكان ، و ترتفع الأرضية تحتهم ، حتى يصلوا إلى الألواح التي تبرز من نهايتها ، و رغم ضيق مساحتها ، يتزلَّجون على الحواف باحتراف ، و يهبطون بأمان على منتصف الأرضية...و يعاودون الحركة في اتجاهات مختلفة. و موسيقى قادمة من حيث لا أدري. تحمل نفس الروح التي تدب في المكان و الناس.
نظرتُ لـ"دعاء" في خوف ، و قلت لها : "أنا معرفش أعمل زي الناس دي!". و خطوتُ خطوة للوراء ، لأفسح المجال لأحد القادمين باندفاع على مزلاج. لما اقترب كان "صفوان" : "هو لسة في ناس بتقول الكلمة دي؟" و لما مرَّ بسرعة من أمامي ، شممتُ له تلك الرائحة لقطعة اللبان الموجودة داخل المصاصات.
ما هذا المكان؟ تلك هي الدهشة بحق.
- "صفوااان ، انت بتاكل مصاصة أخيراً؟"
- "إشمعنى يعني مش مستغربة إني بعرف أجري بالبتاعة اللي أنا واقف عليها دي؟"

و تحرك حركة محترفة مرة أخرى بالـSkating board ، و تحدَّث إلينا جميعاً. "تعالوا نلعب عند البير". و اختفى من أمامنا وسط الآخرين ، و لم أراه ثانية.
***
هناك ، عند البئر ، كنا على أعلى نقطة في المكان. حيث يمكنني أن أرى كل من يلعبون. البعض يتحرَّك في دوائر و البعض الآخر في خطَّين متوازيين. صعوداً و هبوط. و البعض الأخر يقفزون في الهواء من الأماكن المرتفعة. و البعض الآخر يقفزون بألواحهم فوق سلالم العريضة.الكل في نفس الفوضي. لا يصطدم أحد بآخر. مستعمرة بشر تعج بالبهجة. بنفس تلك الروح الموجودة حول حمامات السباحة. لا خطر ، لا ملل أو حزن على الإطلاق.

هنالك أيضاً من يجلسون في أمان على مقاعد خشبية عريضة موضوعة على حافة البئر. هناك جلستُ ، و بعدما استقريتُ على المقعد رأيت أن لا شيء يحمني من السقوط في بئر فوته بمساحة ميدان. و المقاعد في الحقيقة ليست سوى أرجوحات ، يمكن بسهولة على من يجلس عليها أن يسقط. خفت. لم أصرخ . لم أريد أن أفسد البهجة. تشبثتُ جيداً ، و زال كل قلقي لما انبهرتُ بـ"مروان" و "مؤمن" يقفزان من أول فوة البئر للناحية الأخرى. بلا خوف. و مع تكرار المرات رأيتهما عند طرف كل فوهة ، يقفا على أذرعهما في حركة بهلوانية ، و يعودا للوقوف على مزلاجهم.

و جاءت "منة" و "أميرة" جلستا بجواري ، و تحركتا يميناً و يساراً ، و يغنيا أغنية ما. و بدأت الأرجوحة تزداد خطورة."إنتوا عارفين هيحصل إيه لو وقعنا هنا؟"

في صوت واحد :
- " إيه؟"
فكرتُ حتى لا أثير رعبهما:
- " مش هنعرف نطلع تاني؟ "
***
كان الكثير يدور في ذهني مؤخراً. لكن الشيء الأوضح هو أنني كنتُ بحاجة لذلك التجمُّع أكثر من أي وقت مضى. لأنني لا أعلم في الحقيقة أين أنا. و لا كيف تمكنت كل العائلة من التجمُّع مرة أخرى. كيف تمكَّن الجميع من أخذ أجازات في الوقت المناسب. كيف تمكنَّا من تنفيذ خطة المجيء إلى هنا ، و بالفعل تكون خطة مناسبة تلائم الجميع.

هنالك شيء مدهش حول عائلتي... فقط بضعة أيام بصحبتهم ، قد ترفعني للسماء ، و تصفِّي ذهني ، و تبسِّطت أزماتي. هنالك شيء ما في هذه التركيبة الغريبة من الناس. العصبية ، و الفكاهة ، و الطيبة ، و الذكاء ، و الغضب ، و الشرود ، و البساطة ، و الكثير الكثير من التعقيد.

شيء من الأمان ربما هو ما يصف الشعور بأن أكون جزء من كيان متناقد و كبير مثله.

لكن بالنظر لكل ما يحدث لي في النهاية ، هنالك شيء واحد تستند إليه الأمور... هـُم. أهـلـي. مهما تعقَّدت الأمور ، ففي النهاية ستأتِ ساعة غذاء نجتمع جميعاً فيها نتسابق فيها على المقاعد. و نتصارع فيها على الملاعق القليلة. و نتجاذب أطراف الحديث. نتوتر قليلاً ، ثم نعود لنضحك على أمراً آخر. و ننهض سريعاً لنلحق بالحمَّام الفارغ. و نرى من سيُعِد الشاي لأمة من بشر انزلقوا على مقاعدهم و قد تمكَّنت منهم التخمة. و نتجاذب أطراف الحديث مرة أخرى. و نتوتر كثيراً ، ثم نعاود الضحك على شيء آخر...
***

ساعات النوم الطويلة من حين لآخر لا تأتي بالكثير من المفاجآت. و لكن تأتي بالخُلاصة. بإظهار حقيقة الأمر بشكل مثيرللـ..."دهشة".

ما أراه ، و ما أخرج به كل مرة و من أجازة مثل تلك أقضيها معهم ، هو أن الحياة تحتاج ألا أقف كثيراً عند أي شيء. جيد كان أو سيء. و تحتاج الكثير الكثير ... من روح الفكاهة ، كي تستمر دون تعقيدات لأطول وقت ممكن.