Wednesday, July 22, 2009

الـجـرح




منذ بدء عملي في جاليري علاء خالد ، للتُحف و المشغولات اليدوية ، و أنا صامتة . أقرأ . لا أنظر لأحد ، و لا يـُنظـَر لي البتة . أو هكذا كان الأمر في البداية ؛ كنتُ لا أنظر لأحد ، لكن أنظر كثيراً للأشياء حولي . أتعرَّف على مساحاتي ، و أُكيِّف المكان عليَّ أيضاً ...

أبعدتُ الفازات الطويلة عن منال أُرجوجة حقيبة يدي . قفزتُ بالمقعد و المكتب قفزة للأمام كي تتاح مساحة آمنة خلفي حين أتثاءبو اعقدُ ذراعيَّ من الخلف . و أبعدتُ الأشياء من على أحد جانبي المقعد ، كي يتاح لي الدخول خلف المكتب و الخروج من اتجاهين مختلفين . و كي تصير لي حرية الدوران بالكرسي ، ثـُلث دائرة لليمين ، ثـُلث دائرة لليسار .

في البدء كانت الأغراض ...

***

كان صعباً عليَّ ضبط أفق الصورة . "ميزان المية بتاع الصورة" كما كان يقول لي أستاذي (أو هكذا أحبُ أن طلق عليه) محمد الميرغني . لكن ما لاحظته فيما بعد أن في الداخل ليس هناك شيء أفقي ، أو رأسي بالمعنى المعروف . سواء في الصورة .. أو في الاحساس بالمكان . ليس هنالك أباجورة أباجورة ، أو شال شال ، كردان كردان ، ضوء ضوء ، أو رائحة رائحة .

كل شيء ساكن و معتاد على أوضاع غير مألوفة

***


أوقات الصباح و الظهيرة ، المارة في الخارج يمرون بسرعة ، و يلتفتون للفاترينة ، و من بين الفازات و الأشياء المُدلاه ، ينظرون لي مباشرة في العين . ثم نظرة أخرى للأسفل.. باعجاب ربما ، ثم المضي في ط
ريقهم .

ما اكتشفته بعد فترة قصيرة أن من يمر في الخارج وقت النه ار ، لا يرى سوى انعكاس صورته على زجاج الفاترينة !

وهكذا صرتُ أنتبه للناس ، و اقتنص تلك النظرات التي يرمقون بها أنفسهم لحظات مرورهم من أمامي .
، تلحق بهم عيني و هم يمرون من أمام الباب . فأرى عليهم كل الأسى بمجرد تجاوزهم الفاترينة. و كأن مشوارهم لتوه قد بدأ .

تحول المقعد الدوار إلى مقعد المشاهد المثالي في صالة عرض صغيرة و حميمة .



***


***












***

أترون ما رأيتُ ؟!
رأيتُ أمتعة ... و أحمال

و الحمل كل ما يـِتـقـَل ، الضهر من تحته ينحني ...

و الجرح مهما صبر ، هيجيله يوم و يـِنـِز .

Monday, July 20, 2009

كـــمـــا قـــال الكـــتـــاب


يمكنِك الصراخ في وجهي وقتما تشائين ، لكن واجهي الحقيقة ...

لازلتِ تبتهجين بهذا اليوم ، رغم تكراره كل عام ...

لكِ الآن أن تكتبي قائمة أمنياتك ، و تعلِّقيها على صدرك . لعل أحد منهم يمكنه أن يحقق أحدها ، أو يغشها منك و يحققها لنفسه ...


- أتمنى أن أُترك للنوم حتى الظهيرة ... أتمنى أن أترك لنفسي كل ذلك الوقت . في الحقيقة أنا لا أنام فعلاً ، بل أتظاهر بالنوم كي يرضى عليَّ جسدي ، و لا يخذلنِ في اليوم التالي ...

- أتمنى شالاً أحمراً في برتقالي ... ناراً مُحرقة ... لعلها تبعد الأنظار عن شعري الذي لا أعلم ما يجعله ينقلب علي في الصيف .

- أتمنى أن أستمع لأغنية ما ، لا أعرفها ... لكن أحبها على الفور ... و أسمع لها مرة تلو مرة ، و أنا في زحام المنشية ... أو وحدي في مواجهة البحر .

- أتمنى أن أتسلق الأرفف العالية ، و أجد ذلك الحذاء القديم الذي كان يتحمَّل الزوائد في اصبعي الصغير ولا يضايقها ...و أجري به في أحد الصباحات .

- أتمنى أن أرى يوماً فجراً لا ينتهي ، لماذا على الفجر أن ينتهي؟

- أتمنى أن يستمتع الناس بالشمس و الحرارة مثلي ... ولا يزعجوا أنفسهم بنضارات الشمس الكبيرة تلك . كل ما يمكنهم أن يفعلوه هو الزفير من الفم ... وقتها فقط الشمس تبدو أقل أهمية .

- أتمنى أن أدخل البيت يوماً ولا أجد المروحة المزعجة تدور و تدور ، و تشعرني بالغثيان ...لا أجد سريري في مكانه تحت المكيف ...أتمنى أن أنام ليلة صيفية كما اعتدتُ و أنا طفلة و النافذة مفتوحة .

- أتمنى من ذلك المجذوب اللطيف الذي يقف في طريقي كل عدة أيام و أنا في الطريقي لعملي اللطيف ، و بدلاً من الضحكته النسائية المجانة ، يمد يده لي بحبة بون بون .

- أتمنى أن أتمكن يوماً من التركيز على الأرض و أنا أسير ... بدلاً من السماء ... نصف المدينة تعتقد أنني مجنونة ، و النصف الآخر أنني مُراقـَبة .

- أتمنى أن استيقظ يوماً من النوم ، و يستمر شعوري في أول ثلاث دقائق موجوداً لمدة ساعة أو ساعتين ربما ...

- أتمنى أن انتهي من كل ما لم انتهي منه بعد


كل هذه الأشياء جميلة ... ما أتمناه بحق هو أن أصبح بالفعل في الثانية و العشرين ... كما قال الكتاب . فأنا توقفتُ عن الشعور بالسنوات ، بعد الثامنة عشر .