اليوم ... أذوب حبي فصوص ثوم ممزوجة بملح اللذه .. و بحنان أُم ساضيف الأرز للشعرية لإبني .. أنت..المكافح الطموح . و إقتباساً من مشاهد سنيمائية قديمة ، سأتيح المجال لمائة تنهيدة للخروج شهقة أمام "تقلية" تتلوى على نار هادئة :
" خضرا ... خضرا ... خضرا ... !! "
و سأضع الغطاء ثانيتين ، ثم سأرفعه . اسبحي يا ملوخية بخَضَار مستقبلي معه ، و لا تهبطي و تتركيه يفتقد أمه علي مائدتي . و دعي نكهة فيروز تصعد منك بنغمات كنت أهمهمها و أنا أمسح جبهتي بظهر كفي و أتذوق ملحك .
" يا حجل صنين بالعلالي ... يا حجل صنين بالجبل ...
خبر الحلوين علي حالي ... خبر الحلوين يا حجل "
و بانتهائي من آخر قطعة دجاج ، كنت قد افتقدتك تماماً ، و أردت أن أطمعها لك في فمك لأسمعك تمضغ ...
"حبيتك مثل ما حدا حب ، و لا بيوم راح بيحب ."
إقترب موعدنا ، بدأتُ أتـوَّتـر ، أعددتُ المائدة ، و أرسلتُ إبتسامة لـ"دادي" عندما رأيت الأطباق الصيني ذات الحواف الأرجوانية . وضعتُ طبقـين على كرسيين متقابلين , بداخل كل منهم سلطانية وحيدة . المعلقة يسار الشوكة ، و السكينة علي اليمين . وضعت فيروز هادئة من بعيد ، و سأجلس أنا من قريب ...
أخيراً ، شكرتُ نفسي ، و نهضتُ مرة أخرى أغير ملابسي و أعدِّل من وضع شعري . ألن تأتي؟؟
لم أنته من وضع خصلة عنيدة , وكان طرقـَك يصلني ( من الخارج ) أسرعتُ إليك ، و أبطأتُ قليلاً علي مسافة من الباب خوفاً من أن
احتضنك . و إذا بك هنا علي بُعد سنتيمترات مني . طويل كما أنت . أسمر و بشوش . نحيف و حيوي كما أنت ...
- وحشتني !
لم أنته منها و كنتَ تـلفـُظ مثلها بإبتسامة أجمل و عين تلمع ... و أخرجت من وراء ظهرك باقة زهور بيضاء زادت من لمعان عينيك . أول باقه زهور تأتِ بإسمي ..
- ميرسي ...
- أهو إنتِ !
و دخلت , و كان لصوت غلق الباب صوت مختلف. عبرت عن إعجابك بالمكان ، و أنت تخلع الجاكيت و تضعه علي ظهر كرسي كنتُ سأجلس أنا عليه ..
- ريحة الملوخية .. تهوس !
الملوخية! صحيح الملوخية . أنت هنا من أجلها ... بناء علي الظاهر من نِـيـَّـتـي التي لا أرى باطنها بوضوح . لماذا دعوتك إلي هنا ؟؟
وضعت الأرز أولاً ثم ذهبتُ و عدتُ بالسلطه ، ثم ذهبت وعدتُ بالدجاج , ثم ذهبت وعدتُ بالشوربة ..
وإذا بتلقائيتك تغطي علي توتري كعادتك ...
- خشي في المهم ... إيه ده ؟ كل دي مقبلات ؟؟
- يا ساتر يا رب ؟؟ تعالى كـُلـني !!
- لأ ما بحبش الريَّـش !!
ذهبتُ وعدتُ بسحابة من بخار "المهم" ...
- سيدي يا سيدي ع الملوخية يا سيدي !
وضعتُ الطبق و دُرت بعيني أبحثُ عن المغرفة ، و لما عدتُ إليك وجدت تغرف بها بنفسك ...
- إقعدي يا حبيبتي ما تكسفيش . البيت بيتك ..
ترقبت وجهك كطاهٍ مبتدئ ، يختبره الشيف الكبير .
اقتربت من المعلقة سريعاً , فـَلَـسَعَتـك ... فانقبض قلبي . و رحت تنفخ بها ... كأنك في مشهد سنيمائي مبطئ . و أخيراً رشفتها . ثم لحظات بدت طويلة ، ثم أغلقت عينيك و أرخيت حاجبيك ...
- ها؟ ناقصه ملح مش كده ؟؟
لم تتحرك ، فشككتُ أن تكون ابتلعتها ... أعطيتك الصمت و الوقت ، فرفعت جفنيك وقلت أنك تحبني . فأعطيتك المزيد ، فقلتها مرة ثانية ..
- بالهنا و الشفا ...
- بس إيه الشوك والسكاكين والكبايات والحوارات دي ؟؟
- يعني ... لو كنت بتحب تاكل الكوكو بالشوكة و السكينة ...
- آكل الــ .. إيه ؟!!
- الكوكــ... ، و النبي ما تِــتــَتــريقـش , كـُل و أنت ساكت .
- حاضر ...
و بدأت تأكل ...
- و إنت بتحبي "لكوكو" بتاعتك دي إزاي ؟!
- بإيدي يعني عادي ...
ثم تأملت طبقي ...
- هو إنتي ما بتكليش ليه ؟؟
- أصلي بحب أشرب الشوربه الأول !!
* * *
أكلنا قليلاً وتحدثا كثيراً , ثم أكلنا كثيراً وتحدثنا أكثر . كانت عينك تدور في المكان و تستقر علي قطعة الطماطم و الفلفل علي طرف شوكتي ، ودون أن تلاحظ ، تفتح فمك علي إتساعه كأنك أنت من سيأكلها .
ثم اسندت ظهرك للوراء ، و أمسكت بطنك ....
- آآآآه ... بقالي أد إيه ما كلتش كده !!
( قلت لنفسي و أنا كمان )
تطوعت بحماس لغسل الصحون ، و حين رفضتُ و سحبتُ منك الأطباق ، قلت "طب شيلي إنتي السفره و أنا هغسل المواعين !!"
رفضتُ و بعد ثوان كنتُ أرفع الأطباق ، وأنت تقف أمام صنبور المطبخ . أفرغُ الأطباق في القمامة و أضعها لك في الحوض ، و أنت تعبث في الصابون باستمتاع كطفل صغير ...
طال حديثنا وصار أجمل ... و أنا سعيده بوجودي في مطبخي سعاده غامضه . "و لا بدي شي بعد , إلا داري .... بيتي بيصير وعد لما بحاكيه"...
"بجرِّب ما بفهم .. شو علقني بس فيك ؟!"
طوِّلت .. أنا عارفة .. بس دي حـَّنة من رواية كتبتها رمضان اللي فات لأ اللي قبله ... معلش بقى استحملوا